كنتُ وأصبحتُ

أنا الطفل الذي قُتل حلمي وُأجبرت على العمل

"كنت، وأصبحت"، بين هاتين الكلمتين أو الزمنين، تُقتل أحلام أطفال في سوريا، توحشّت عليهم الظروف وتقاذفتهم قسوة العيش، فمن كان يريد أن يصير طبيباً أصبح الفحم يلّون وجهه بالسواد، ومن تمنى أن يكون أستاذاً بات يخشى الآن من أن تقطع آلة النجارة أصابعه البريئة.

هذه الأحلام المتبخرة يزداد قتلها يوماً بعد يوم، لما لا وقد أصبح الطفل في سوريا معيلاً أساسياً لعائلته، وعندما تشّق الشمس طريقها إلى سماء هذا العالم، يخرج من بيته ليس متجهاً إلى المدرسة، بل إلى مكان عمل تُطحن فيه البراءة، وتخشن فيه الأيادي الصغيرة. 

5 أطفال ستشاهدونهم بعد قليل، لكل منهم حكاية لكن عنوانها المشترك، عمالة أطفال تأتي بلقمة العيش وتذهب بحلمٍ كامل.

محمد:

الحلم: طبيب، الواقع: دهان

محمد ابن الـ 11 عاما من مدينة الباب بحلب، كان يحلم بأن يكون طبيباً في المستقبل، لكن حتى فسحة الأمل لم تكن متاحة له، فهو الآن يعمل في دهان السيارات، ولم يرسله والده إلى المدرسة بسبب الوضع المادي للعائلة. 

يعمل محمد مع والده منذ أن كان عمره 6 أعوام، وعندما تتكلم معه لا يحدثك عن قصة جميلة قرأها، ولا عن حيوانات أليفة رأى صورها في الكتب، بل يروي لك مراحل طلاء السيارة. 

جسده النحيل بالكاد أن تراه وهو يقف على قطعة خشبية مثبتة على دعائم من الحديد، ليطلي صهريجاً ضخماً.

تخبرك عيون محمد وأصابع يديه الخشنتين بقصته، إذ أراد أن يكون طبيباً وأصبح دهاناً. 

في الشمال السوري حيث يعيش الملايين بين سكان المناطق وآخرون نازحون، يوجد عدد مهول من الأطفال، بعضهم يعيشون في مخيمات مهترئة، لا تشفع دموع أطفالها من برد الشتاء ولا حر الصيف، وآخرون يمكثون في مبانٍ مدمرة، وينامون بصحبة الغبار.

قسوة العيش لم تضع أوزارها عند هذا الحد فقط، فكثير من الأطفال فقدوا آبائهم وباتوا أعمدة لاستمرار بقية أفراد العائلة على قيد الحياة، ولم يجدوا سبيلاً لذلك إلا العمل في سن مبكرة تبدأ منذ 8 سنوات. 

حتى الذين يعيشون مع آبائهم لم يسلم بعضهم من العمل في سن باكر من أجل مساعدة العائلة. 

ما تكشفه أرقام الأمم المتحدة يدعو لقلق كبير، إذ تقول إن "حوالي 2.45 مليون طفل داخل سوريا، و750 ألف طفل سوري إضافي في الدول المجاورة لا يذهبون إلى المدرسة، و40 في المائة منهم من الفتيات".

كذلك فإن أربعة من بين خمسة أشخاص من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وهو ما يدفع الأطفال إلى الكفاح من أجل البقاء وعائلاتهم على قيد الحياة.

أحمد:

الحلم: ممرض، الواقع: بائع فحم

في ظروف مشابهة يعيش الطفل أحمد ذو العشرة أعوام، تراه منهمكاً بين أكياس الفحم، ووجه البريء غطته أجزاء من السواد، كان يحلم محمد بأن يصبح طبيباً أو ممرضاً، وأصبح حلمه الآن أن يفتتح محلاً لبيع الفحم.

عند التصوير مع أحمد حمل قطعة من الفحم، وتوجه بنظرة ثاقبة من عينيه إلى عدسة الكاميرا، وأكياس الفحم تحيطه من كل الجوانب، وكأنما يريد إخبار العالم بأن حياته تشبه سواد الأكياس التي يُعبئها ويبيعها ليكسب منها لقمة عيشه. 

حتى الذين يعيشون مع آبائهم لم يسلم بعضهم من العمل في سن باكر من أجل مساعدة العائلة.

الطفلان محمد وأحمد وأقرانهما الذين يعيشون ظروفاً مماثلة، ما هم إلا جزء بسيط من 90 % من الأطفال في سوريا يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في العام 2021، وهي نسبة ارتفعت بنسبة 20 % عن العام الماضي وحده، بحسب منظمة الطفولة (يونيسف) التابعة للأمم المتحدة.

لا تكمن خطورة عمالة الأطفال في أنها تهدد أحلامهم فقط، فكثير من المهن تلحق أضراراً جسدية بهم وهم في سن مبكرة.



محمد:

الحلم: طبيب بيطري، الواقع: بائع مازوت

التقينا بطفل اسمه محمد يعمل في بيع المازوت وعمره 11 عاماً، لم يعد يذهب إلى المدرسة لانشغاله بالعمل وتأمين قوت يوم العائلة، ويشعر بالتعب من رائحة مادة المحروقات التي لا تفارق يديه وثيابه، وتنهك الأوزان الثقيلة جسده الغض. 

يحب محمد القطط والحيوانات، ومشاعره البريئة نحوها جعلته يحلم بأن يكون طبيباً بيطرياً، وأصبح حلمه الآن تحصيل الأموال.

لا تكمن خطورة عمالة الأطفال في أنها تهدد أحلامهم فقط، فكثير من المهن تلحق أضراراً جسدية بهم وهم في سن مبكرة.

مصطفى:

الحلم: أستاذ مدرسة، الواقع: نجار

في المنطقة نفسها التي يعيش بها الطفل محمد بائع المازوت، تهدّم حلم آخر للطفل مصطفى حج إبراهيم، فبعدما كان يحلم بأن يكون أستاذاً في مدرسة، أصبح حلمه أن يصبح محترفاً في صناعة الأبواب الخشبية.

في الحقيقة لدى مصطفى حلّم آخر يسعى جاهداً كل يوم لكي يحققه، حلم يختلف عن أحلام أقرانه من الأطفال وحتى نحن الكبار، وهو أن يحافظ على أصابع يديه ولا يخسرها أثناء استخدامه آلة قص الخشب.

يقول بصوته البريء إنه يخاف ارتكاب أي خطأ يؤدي إلى قص أصابعه بدلاً من خشباته.

حسين:

الحلم: أستاذ مدرسة، الواقع: حداد

تحت إنارة ضعيفة، وقطع من الحديد المتناثرة، يروي الطفل محمد الحسين روتين يومه غير الطبيعي لأي طفل في عمره.

يبدأ محمد يومه بالعمل في الساعة السادسة صباحاً، ويستمر بالعمل حتى وقت المغرب وفي بعض الأحيان حتى الساعة التاسعة مساءً، ويستخدم محمد في عمله عدداً من الآلات التي تدخل بمهنة "الحدادة" من بينها تلك الآلة التي وصفها بـ"الصاروخ".

ترى نظرة حزن في عيون محمد وهو يختزل حلمه بالقول كنت أريد أن أكون أستاذاً وأصبحت حداداً. 


على بعد مئات وآلاف الكيلومترات من أماكن وجود هؤلاء الأطفال الخمسة، يعيش أطفال سوريون في دول اللجوء معاناة مشابهة، فهم بمثابة رب العائلة وعليهم يقع عاتق تأمين لقمة العيش. 


في حصيلة للأمم المتحدة في أغسطس/ آب 2021، فإن هنالك ما يقرب من 10 آلاف لاجئ سوري من الأطفال غير المصحوبين أو المنفصلين عن ذويهم.


نظراً لظروف هؤلاء الأطفال، فإنهم يعيشون في وضع هش، وهم عرضة للاستغلال بطرق مختلفة من بينها عمالة الأطفال.

إضافة لذلك، فإن هنالك ما لا يقل عن 800 ألف طفل سوري بدول اللجوء خارج المدارس، فعلى سبيل المثال يُعد حوالي نصف الأطفال السوريين في الأردن هم المعيلون الوحيدون أو المشتركون للعائلة.