أطفال ضحايا الذخائر غير المنفجرة
في سوريا: ثلث السكان يعيشون في مجتمعات ملوثة بالذخائر غير المنفجرة.
كان سيكون مثل أي صباح يمر على الطفل إبراهيم، يصطحب الغنم للرعي في منطقة قريبة من منزلهم في شمال غربي سوريا، ابراهيم هو واحد من أطفال كثيرين يصل عددهم أكثر من المليونين في هذه البلاد تركوا مدارسهم للعمل بسبب ظروف الحرب والوضع الاقتصادي السيء.
لكنه لم يكن يوماً عادياً، قطعة حديد "أغرته" للعب بها غيرت حياته.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يصدف فيها إبراهيم هذه القطعة، بل حتى أنه كان قد لعب فيها على مدار اليومين السابقين، لكن اليوم كل شيء اختلف، فتلك لم تكن قطعة حديد عادية بل هي "مقذوف غير منفجر"، وبعد يومين من اللعب والتحريك انفجرت بيد هذا الطفل ذي الـ11 عاماً، فخسر يده وتركت تشوهات واضحة على وجهه وجسده.
تلك القطعة التي وجدها على قارعة الطريق هي من مخلفات الحرب الدائرة في البلاد والتي لم تنته بعد منذ 13 عاماً، هي واحدة من آلاف الذخائر غير المنفجرة المنتشرة في مختلف المناطق السورية، خاصة تلك التي طالها قصف عنيف.
إبراهيم يتذكر تماماً ما حصل معه، فهو لم يفقد وعيه جراء الانفجار، ويتذكر الأصوات من حوله عندما تم إسعافه لأحد مشافي مدينة بنش القريبة من إدلب التي تقبع تحت سيطرة المعارضة السورية.
غاب عن الوعي في غرفة العمليات، وعندما استيقظ اكتشف أنه خسر يده.
يقول لنا إبراهيم "لهذه اللحظة أشعر أن يدي لا تزال موجودة، هذه يدي اليمنى التي كنت أستخدمها للكتابة".
60 نوعاً من الذخائر غير المنفجرة
أكبر عدد من الضحايا في سوريا
كشف تقرير مرصد الألغام الأرضية (Mine Action Review) السنوي أن سوريا سجلت و للعام الثالث على التوالي، أكبر عدد من الضحايا نتيجة مخلفات الحرب القابلة للانفجار، حيث وثق التقرير 834 ضحية في عموم سوريا خلال العام 2022 والنصف الأول من العام 2023.
الذخائر غير المنفجرة هي أدوات فشلت في أداء عملها، فقد لا تنفجر أبدًا أو قد تنفجر بأي لحظة ولا يمكن تحديد مدى تأثيرها وخطرها على ما حولها، وطوال السنوات الماضية وثقت فرق الذخائر في الدفاع المدني السوري استخدام نظام الأسد وروسيا أكثر من 60 نوعاً من الذخائر المتنوعة في قتل المدنيين منها 11 نوعاً من القنابل العنقودية المحرمة دولياً.
أما في الربع الأول من العام الحالي 2024 فقد سجلت فرق إزالة الذخائر غير المنفجرة (UXO) التابع للدفاع المدني الخوذ البيضاء، إجراء 301 عملية مسح غير تفني، وتحديد 88 منطقة ملوثة بمخلفات الحرب، وتم خلال هذهُ الفترة التخلص من 189 ذخيرة من مخلفات الحرب، منها 44 قنبلة عنقودية، و 34 قنبلة، و 31 صاروخ.
سقطت في مناطق سورية متفرقة، منها كانت هذه الأرض التي يتجول فيها إبراهيم مع الأغنام، فالأطفال هم أكثر عرضة للخطر لجهلهم مخاطرها ولعبهم فيها.
11 نوعاً من هذه القنابل محرم دولياً
لإزالة والتخلص من مخلفات الحرب باختلاف أشكالها يتطلب خبرة وفرقاً مدربة، لأن أي خطأ هنا هو خطأ مميت.
في سوريا وتحديداً في شمال غرب سوريا التقينا بحسين العلي من منظمة Halo Trust المتخصصة في إزالة الألغام، موضحاً أن هذه المنظمة بدأت أعمالها في سوريا منذ العام 2015، بنشر التوعية حول الأنواع المختلفة للقنابل غير المنفجرة، وفي 2022 بدأووا بعمليات إزالة والتخلص منها.
تايني هاند رافقت منظمة هالو في مهمة للتخلص من أحد المخلفات الحربية، يقول حسين "تلقينا خبر بوجود مخلف عنقودي، ونحن هنا اليوم للتخلص منه، لقد سبق أن تخلصنا من مخلفات حربية مثل مدافع الهاون أو القنابل اليدوية".
أولاً يقومون بإجراءات قياسية دقيقة جداً معدة مسبقاً، يقومون بحفر حفرة في حال كان المخلف كبيراً، ومن ثم يتم إحاطة الحفرة بأكياس الرمل وإضافة طوق الحماية بحسب حجم المخلف، ويتم إغلاق جميع الممرات في هذه المنطقة خلال عملية التخلص لحماية المدنيين في المنطقة خلال عملية التخلص من هذه المخلفات.
تقوم المنظمة أيضاً على تعريف أهالي المنطقة على أشكال وأنواع المخلفات الحربية وطرق الإبلاغ عنها وسبل التعامل معها.
فالهدف الأساسي مما يقومون به هو حماية المدنيين والحد من انتشار المخلفات الحربية، يقول حسين "الكثير من الحوادث التي تقع تكون مع الأطفال وتسبب بإصابتهم بالبتر بسبب قيامهم باللعب بها وبالتالي انفجارها بين أياديهم".
تعاملت المنظمة مع قرابة ٣٢ مخلفاً من أنواع مختلفة.
النصيحة الأهم التي يوجهها حسين للمدنيين في المنطقة "عند التعرض لأي مخلف حربي أو جسم غريب، الابتعاد عنه والتبليغ فوراً عنها للجهات المعنية أو السلطات المحلية، والتجنب بشكل كامل العبث فيها".
قدر مركز كارتر في عام 2024 أن أكثر من 324600 صاروخ وقنابل غير منفجرة تتناثر في سوريا - مما يجعل المدنيين عرضة للموت والإصابة بعد سنوات من انتهاء المعركة. تقدر منظمة الصحة العالمية أن 15 في المائة من السكان يعيشون مع إعاقات ناجمة عن الصراع.
15 في المائة من السكان يعيشون مع إعاقات ناجمة عن الصراع
أغلب الأطفال الضحايا نتيجة الذخائر غير المنفجرة في سوريا هم من الذكور، ٨٠٪ من الضحايا بحسب الإحصائيات هم من الأطفال من الذكور، وبحسب البيانات إلى أن مستوى الخطر يختلف حسب عمر الطفل وجنسه وموقعه، على سبيل المثال من الأكثر شيوعاً أن يكون
8 من كل 10 أطفال ضحايا هم من الذكور. وتعتبر فترة المراهقة المبكرة (12-15 سنة) هي السن الأكثر عرضة للخطر بالنسبة للذكور. أما بالنسبة للفتيات، فإن معدل الضحايا يكون أعلى بين سن 6 و11 سنة.
يتعرض الأطفال للتهديدات أثناء اللعب مثل الخلط بين الذخائر غير المنفجرة والألعاب، وغالبًا ما يكونون غير مدركين للمخاطر.
في المتوسط، تم التحقق من مقتل أو إصابة 9 أطفال شهريًا بسبب الذخائر المتفجرة بين مارس 2011 وديسمبر 2019..
إن جاذبية الأشكال والألوان المثيرة للاهتمام للذخائر غير المنفجرة للأطفال هي مشكلة موثقة جيدًا. ووفقًا للبيانات ، فإن 40٪ من جميع الإصابات المسجلة للأطفال حدثت أثناء اللعب، بما في ذلك اللعب عن غير قصد بعنصر متفجر، من بين الأنشطة الأكثر شيوعًا، كما يُشار إلى الذهاب إلى المدارس أيضًا على أنه نشاط شائع في وقت وقوع الحادث.
يتعرض الأطفال للخطر أثناء البحث عن النفايات للبيع وأثناء العمل في الحقول الزراعية. ووفقًا للبيانات، فإن 20٪ من جميع الإصابات المسجلة للأطفال حدثت أثناء الزراعة.
فيما يلي فيديوهات عن بعض أنواع الذخائر غير المنفجرة
قصف الطيران
محمد، البالغ من العمر ٨ سنوات، من إدلب، فقد قدمه نتيجة قصف الطيران، كان عمره ٤ سنوات عندما فقد قدمه، ولا يتذكر تفاصيل ما حدث.
في مركر التأهيل نفسه التقينا أيضاً بأحمد من حماة، أصيب في قصف جوي وفقد قدمه. يقول لنا"لا أتذكر اليوم الذي قصفت فيه الطائرة وفقدت قدمي. كنت أشتري أغراضًا ولم أشعر إلا والطائرة تقصف. من استطاع الهرب نجا، أما أنا فقد بقيت وفقدت قدمي".
20 ٪ من جميع الإصابات المسجلة للأطفال حدثت أثناء الزراعة
في 8 ديسمبر / كانون الأول 2005 ، أعلنت الجمعية العامة أن 4 أبريل / نيسان من كل عام سيُحتفل به باعتباره اليوم الدولي للتوعية بالألغام والمساعدة في الإجراءات المتعلقة بالألغام.
بحسب الأمم المتحدة لا تزال الألغام ومخلفات الحرب القابلة للانفجار والأجهزة المتفجرة تتسبب في الوفيات والإصابات، ففي كل ساعة يقتل أو يصاب شخص واحد بسبب هذه الأجهزة المتفجرة، وتسبب في وقوع العديد من الأطفال ضحايا له.
إن كنت تمتلك نظارات الواقع الافتراضي ارتديها وشاهد هذه القصة مع فريق UXO خلال قيامهم بمهمة خطيرة وهي التخلص من القذائف غير المنفجرة يقول المسؤول عنهم "الغلطة الأولى هي الأخيرة فهنا لا مجال للتردد أو الخطأ والخبرة هي سبب نجاحهم في هذه المهمة.