مقعد شاغر

عن توأم سوري فرّقتهما قذيفة

  أكتوبر/ 20 / 2021 كان سيكون يوماً عادياً، يرتدي كلّ من عمر وعلي ملابسهما يحملان حقائبهما المدرسية ويغادران منزلهما في أريحا بريف إدلب باتجاه مدرستهما.

صباحات أكتوبر باردة نوعاً ما، وقاسية على طفلين بسنّهما خاصّة عندما تلامس وجهيهما تلك النسمات الباردة بينما يقطعان  أكثر من كيلومتراً مشياً على الأقدام وصولاً إلى المدرسة، مشوار يومي مفروض عليهما فلا مدرسة أقرب من تلك المدرسة إلى مكان إقامتهما.

كان سيمرّ كأي صباح آخر، لكن كلّ شيء اختلف في تمام الساعة التاسعة، هذا ما أكدته كاميرات المراقبة  من أحد المحلات، كاميرا وثقت الحادثة.

ففي تمام الساعة 9:04  سقطت قذيفة وسط سوق أريحا بإدلب شمال غربي سوريا، قطعت الطريق على الطفلين، رمت أحدهما داخل محلّ تجاري نجا من القذيفة لكنه خسر إحدى قدميه .

بينما قتلت الطفل الآخر لحظة سقوطها..

عن عمر وعلي شقيقان توأم في الحادية عشر عاماً من عمرهما، وعن مقعدهما الدراسي الذي أصبح شاغراً اليوم!



سبايدر مان، بطل خارق لا فائدة منه

دقت الساعة 9 صباحاً عندما بدأت أصوات القصف المدفعي تدوي في الأجواء، يبدو أن هناك من نبّه الشقيقان علي وعمر اللذان هرولا إلى داخل محلّ في السوق الشعبي.

تظهر كاميرا المراقبة بوضوح اختباء الطفلين داخل المحل.



عمر وهو من يضع حقيبة خضراء على ظهره يتوجه نحو باب المحل يلحقه شقيقه علي حاملاً على ظهره حقيبته المدرسية عليها صوراً للبطل الخارق سبايدر مان ، ومعهما طفل آخر وطفلة برفقة والدها.

وقعت القذيفة بالقرب منهم، وحصل ما حصل!

ركام ودمار يظهران بوضوح، لا أصوات نسمعها هنا.

لم نسمع الكلمات الأخيرة التي قالها عمر، ولم نسمع نداءات علي للنجدة قبل أن يتم إسعافه إلى مستشفى قريبة.

قتلت القذيفة في ذلك اليوم عمر، وطفلين آخرين إضافة إلى 6  مدنيين، أما علي الشقيق التوأم فقد نجا!

وبقيت حقيبته مرمية في المحل، حقيبة عليها صورة البطل الخارق الرجل العنكبوت سبايدر مان الذي لطالما جذب الأطفال الصغار لقواه الخارقة، قوى خارقة لا فائدة منها في بلد الحرب.



هذه الصورة تم التقاطها بعد الحادثة بأسبوع

هذه الصورة تم التقاطها بعد الحادثة بأسبوع





عمر وعلي ليسا مجرّد رقمين

The choice of colour for typography can help it relate to the images

تقول المواقع الإخبارية إنّ 4 أطفال ومنهم عمر كان قد لقوا حتفهم في ذلك اليوم،  لكن من يمرّ في ذلك الشارع الذي وقعت فيه الحادثة سيشعر بأكثر من ذلك بكثير، فالحديث هنا ليس عن مجرد أرقام نحصيها!

ذهبنا إلى السوق الشعبي في أريحا بعد قرابة أسبوع من حادثة القصف، كان كلّ تفصيل في هذا الشارع يروي ما حصل، أبواب المحلات المهشمة، الرصيف المدمر، وركام البناء وهنا المحل حيث أصابت القذيفة الشقيقان التوأم. .

عندما سألنا صاحب المحل عمّ حصل اكتفى بالإشارة إلى حقيبة علي، مغبّرة محفوظة في أحد زوايا المحل لم يفتحها أحد.

ومن مكان ليس ببعيد كانت مدرسة عمربن عبدالعزيز، وإلى هناك توجهنا!

Item 1 of 3

كان يفصل علي وعمر بين مكان سقوط القذيفة ومدرستهما أقل من كيلومتر أي ما يعادل 13 دقيقة مشياً على الأقدام، طريق لم يكملاه في ذلك اليوم!

تغيّب عدد من التلاميذ عن المدرسة لعدّة أيام بعد الحادثة حزناً على فراق صديقهم عمر وإصابة علي، بقي الصف الخامس الابتدائي فارغاً لأيام!

لكن بعد أسبوع هكذا كان الصف الدراسي

رغم اكتظاظ الصف بالتلاميذ، رفض أحداً من أصدقائهم الجلوس على مقعدهم

كان فارغاً يتصدّر قاعة الصف.

أكثر من 30 طالباً يجلسون بجانب بعضهم البعض هناك مقاعد يجلس عليها 3 تلاميذ!

في المدرسة سألنا المدرسين والإداريين عن عمر وعلي، لم نسأل أحداً من الأطفال لسلامتهم النفسية ولحساسية الموضوع وبسبب وقع الخسارة الكبيرة عليهم.

عمر وعلي طفلان مؤدبان جميلان الجميع يحبّهما

فراغ كبير وخسارة أكبر

عبد القادر عبيدو معلّم الطفلين، التقينا به داخل الصف يقول لـ Tiny Hand لقد "عمر وعلي طالبان مهذبان مؤدبان، ما حصل كان قاسياً للغاية!

كان المعلم عبدالقادر في صباح ذلك اليوم في المدرسة عندما بدأ القصف على مدينة أريحا، وانتشرت الأخبار عن سقوط إحدى القذائف في السوق وأخرى في منطقة الدوار.

اختبأ التلاميذ في الملاجئ والصفوف، بينما حاول الأساتذة تهدئة روعهم، حينها وصلهم الخبر الصادم!

"من خلال المراصد التي تتابع القصف أخبرونا أن عمر وعلي أصيبا بالقصف" يقول المعلم عبدالقادر "حينها أخبرونا أن علي تم إسعافه، وعمر لقي حتفه".



لم يكن من السهل على المعلم عبدالقادر أن يتابع بإعطاء الدروس للتلاميذ بدون عمر وعلي، طالبان مجدّان يحبان الدراسة "كانا يقطعان  يومياً مسافة بعيدة من أجل ارتياد المدرسة" يقول عنهما…

أسبوع حزين مرّ على الجميع، التلاميذ وأهاليهم والأساتذة، ولكنهم في نهاية الأمر قرروا العودة إلى مقاعد الدراسة على الرغم من صعوبة ما حصل.

"الأهالي رغم مخاوفهم يقومون بإرسال أطفالهم  تحت الخطر والقصف كي يتعلموا، ونحن نقوم بعملية التعليم من أجلهم هؤلاء ليسوا فقط تلاميذنا بل أطفالنا أيضاً".



أكثر من 55 طفلاً قتلوا في سوريا منهم عمر

فقط خلال الشهور الأربعة الماضية

أي ما يعادل طفلاً كل يوم!