بعد سقوط الأسد: هل يتحقق حلم العودة للمدرسة؟

صباح الأحد، الخامس عشر من ديسمبر، بينما كان الطلاب من مختلف المدن والقرى السورية يوضبون حقائبهم استعدادًا ليومهم الدراسي الأول بعد سقوط الأسد، كان علي بدوره يستعد ليوم عمل طويل. ورشة السيارات بانتظاره، حيث سيمضي ساعات يومه بين الأدوات والمحركات.
علي، البالغ من العمر أربعة عشر عامًا، بدأ العمل في ورشة السيارات هذه قبل عامين. هو ليس من أبناء بلدة جنديريس الواقعة بالقرب من حلب؛ إذ نزح مع عائلته من إدلب بحثًا عن الأمان، بعد أن وجد والده في هذه البلدة ملاذًا آمنًا لأطفاله من قصف الطيران.
لكن البلدة نفسها لم تنجُ من الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في فبراير 2023. ومع أنهم نجوا بأعجوبة، إلا أن البلدة كانت واحدة من أكثر المناطق تضررًا؛ فقد قُتل الكثير من سكانها وانهارت العديد من منازلها، تاركة خلفها مأساةً أخرى في حياة من نجا.
منهم علي وعائلته..
تروي قصة علي ما يقرب من 2.5 مليون طفل آخرين في مختلف أنحاء البلاد، والذين يعيشون خارج أسوار المدرسة في أرض مزقتها الحرب. وهؤلاء الأطفال، مثل علي، لم يعرفوا سوى حياة النزوح والبقاء على قيد الحياة. ولم يضع بعضهم قدميه قط في الفصول الدراسية، وكثيرون، بما في ذلك علي، لا يعرفون حتى القراءة أو الكتابة. وقال والد علي إن ابنه يحلم بالعودة إلى المدرسة يومًا ما، ويطمح إلى أن يصبح مهندسًا ميكانيكيًا.
وفي بلد ولد فيه ستة ملايين طفل وسط الصراع، ودُمرت أكثر من 7 آلاف مدرسة أو تم تحويلها إلى ملاجئ، يظل التعليم حلما بعيد المنال بالنسبة للكثيرين.


"ينزف قلبي كلما رأيت أطفالاً يتجهون إلى المدرسة"، يقول علي وهو يراقب الطلاب في طريقهم إلى الفصول الدراسية بينما يتوجه هو إلى العمل. ويتابع: "اضطررت إلى ترك المدرسة بسبب الحرب. لقد فقدت فرصتي في الذهاب إلى المدرسة والآن أعمل لمساعدة أسرتي".
يعمل علي قرابة 12 ساعة في اليوم، ستة أيام في الأسبوع، ويكسب أقل من 10 دولارات في اليوم. ويعتقد والده أن هذا بدل لائق، لكن ما يهمه أكثر هو أن علي أصبح لديه الآن مهنة. يقول لنا: "على الأقل أصبح ابني الآن لديه حرفة".
خلال فترات استراحة الغداء، يقضي علي وقتًا مع والديه ويستمتع بوجبة بسيطة: كوب من الفول. علي ليس الوحيد الذي يعمل - فوالده لديه أيضًا ولدان آخران يعملان في حرفتين مختلفتين، أحدهما يبيع الحلويات والآخر حلاق.
ورغم أن والده يتفهم رغبة علي في العودة إلى المدرسة، إلا أنه يعتقد أن تعلم مهنة من شأنه أن يضمن مستقبل ابنه. ويقول والد علي: "قد يفتح علي متجره الخاص ذات يوم، وإذا لم يتمكن من ذلك، فسوف يكتسب حرفة. وهذا أفضل من لا شيء".
وبينما يعود علي إلى الورشة بعد الغداء، يواصل إصلاح المحركات ومعالجة المهام الصعبة، مصمماً على تحقيق أقصى استفادة من ظروفه.
لا يملك علي الكثير من الوقت للعب. يعود إلى المنزل حوالي الساعة التاسعة صباحًا، ويتناول الغداء ثم ينام. أخبرنا أنه في بعض الأحيان، إذا حالفه الحظ، يمكنه رؤية أصدقائه خلال الأسبوع، ولكن عادة لا يستطيع ذلك - فقط في يوم إجازته الوحيد كل أسبوع.


علي، على الرغم من المخاطر والتحديات التي يواجهها يوميًا، يحلم بمستقبل يجمع بين التجارة والتعليم. وحتى يأتي ذلك اليوم، سيواصل علي العمل في ورشة إصلاح السيارات ــ "مدرسته الثانية" ــ حيث يتعلم ليس فقط كيفية إصلاح المحركات، بل وأيضًا كيفية البقاء على قيد الحياة في بلد مزقته الحرب.
إن قصة علي هي واحدة من آلاف القصص في مختلف أنحاء سوريا، حيث لا يزال الأطفال يتحملون وطأة الحرب. فقد اضطر العديد منهم، مثله، إلى ترك المدرسة للمساهمة في إعالة أسرهم. ومع ذلك، وعلى الرغم من الصعوبات، لا يزال هناك بصيص أمل في أن تتغير الأمور ذات يوم، وأن تتاح لهؤلاء الأطفال الفرصة لمواصلة التعليم الذي يستحقونه.
