هل جرّبت أن تجعل من حياتك و حياة الأطفال من حولك "قصة"؟!

هبّت نسمة قلبت معها صفحة الكتاب فخرجت منه طفلة جميلة متواضعة  تكاد لا تفارق الابتسامة وجهها، كبرت تلك الطفلة لكنها لم تنسى ذلك الكتاب بقصصه المختلفة التي علّمتها كيف تحلم.

وكلما تقدّم بها العمر زاد تمسكها بتلك الصغيرة عاشقة القصص، تناديها في كلّ ورشة عمل مع أطفال صغار، تروي لهم تفاصيلاً جميلة من تلك الكتب.

عن سامية عايش، أم لوالدين رائعين وصحفية وقاصّة حكايات، تؤمن "أن كلّ جزء من حياتنا فيه قصة، وعلينا أن نمتلك الأدوات التي تساعدنا في سرد هذه القصص".

رافقنا في هذه الرحلة الملهمة:

قبل أعوام وفي ليلة من ليالي دبي الحارقة خرجت من نافذة إحدى الشقق فقاعتين كبيرتين بداخل كلّ منهما طفل صغير هما يوسف وغازي، حلْقت كلّ فقاعة باتجاه مختلف رحلة مدتها عادة لا تتجاوز قدرة العيون الصغيرة على السهر.

حوار لطيف اعتادت أن تعيش تفاصيله سامية مع طفليها كلّ ليلة قبل النوم، فلا ينتهي يومهم إلا برواية قصة لا يهم من يرويها هي أو هما، ولا من أين تأتي كلمات تلك القصة من كتاب أو من مخيلتها أو حتى من مخيلتهما.

لكن الأمر المؤكد هو أن هذه العيون الجملية لن تغفو إلا بعد القيام برحلة لطيفة مع شخصيات جديدة كل ليلة.

والمميز فيما تقوم به سامية أنه لا يقتصر على أطفالها، بل أيضاً اعتادت منذ عام 2010 على إقامة ورش للأطفال تساعدهم من خلالها على خلق علاقة متينة ومميزة مع الكتب وإعطائهم الإلهام والحافز والأدوات ليحكوا قصصهم بأنفسهم ويعبّروا عن آرائهم بطريقتهم الخاصة.

تقول لنا سامية "لنحو 15 عاماً، عملت في مجال الكتابة الصحفية وتغطية الكثير من الأحداث والنشاطات في منطقة الشرق الأوسط. وخارج ساعات العمل الرسمية، كنت أعيش بين كتب الأطفال: أقرأها، وأكتبها، وأرسمها، وأحركها، وأتخيل أصواتها، وأعيش في عالم طفولي مختلف".

هذا المزيج الذي تقدّمه الصحفية الفلسطينية في ورشاتها كان كفيلاً بخلق علاقة بين الطفل والكتاب، معتمدة على أسلوب مميز في السرد القصصي وهو الذي تجد فيه "مهارة يجب أن نكسبها للأجيال القادمة، فهو يساعدهم على التخاطب والتواصل مع الآخر والتعبير عن آرائه".

تقول سامية " أطفالنا سوف يكبرون ويتحدثون يوماً ما عن قضاياهم ومشاكلهم، نريدهم أقوياء لا يرتبكون خلال تواصلهم مع محيطهم كي لا يفقدوا ثقتهم بأنفسهم".

أحد هؤلاء الأطفال رافق سامية في تجربتها الكتابية الأولى لعالم الأطفال، في قصة عنوانها "كبير، صغير".

عن كتابها كبير صغير:

"يشرح لنا الولد الصغير، راوي القصة أنه وإن كان صغيرًا ويحتاج مساعدة الكبار في أمور كثيرة، فهو أيضًا كبير، ويستطيع القيام بمهام كثيرة بدون مساعدتهم، ويؤكد أنه عندما يكبر سيقوم بكل شيء بمفرده. القصة تتناول تجربة يمر بها الأطفال من مختلف الأعمار، وتعزز ثقتهم بقدراتهم. كما تعلمهم أن طلب المساعدة في سنهم الصغيرة أمر طبيعي، وأن التطلع إلى الاستقلالية أمر محبب وضروري."

الفئة العمرية التي يستهدفها هذا الكتاب: 3 إلى 6 أعوام.

ما لم تجده اصنعه، هذه العبارة كانت وراء إنجاز سامية كتابها الأول في عالم أدب الأطفال، تقول "عندما كان أطفالي أصغر عمراً شعرت بحاجتي لكتاب يتوافق مع الاحتياجات المحيطة بنا، وبالنهاية لو كل شخص منا أنجز أمراً شبيهاً بذك ستكون النتيجة مميزة وسنجد أنفسنا أمام محتوى مميز فيه لمسة من الخصوصية الشخصية".

وهذا الأمر لمسته سامية في إحدى الورش عن كتابها "كبير صغير" بينما كانت في ورشة سرد قصصي مع الأطفال عن "كبير صغير" تردد إلى مسامعها صوت طفلة تكرر معها الكلمات وحتى أنها كانت تسبقها برواية أحداثها.

بعد الانتهاء من الورشة بحثت سامية عن هذه الطفلة فاكتشفت أنها من المعجبين بهذا الكتاب،  تطلب من والدتها يومياً أن تقرأ لها هذه القصة قبل النوم.

"الطفلة حفظت القصة ، تأثرت بشكل كبير بذلك وما لفتني أنها على ما يبدو وجدت نفسها في تفاصيل هذا الكتاب".

إذاً، "باختصار ما لم تجده اصنعه" توضح سامية ل"Tiny Hand"، "هذه العبارة تكاد تدخل في كل تفصيل من تفاصيل حياتنا في هذا المنزل وفي طريقة تفكيرنا بمواجهة كل مشكلة وإيجاد حلول مبتكرة لها".

كبير صغير هو بداية طريق سامية في عالم أدب الأطفال، ومحاولاتها في التفكير خارج الصندوق خلال تأليفها الكتب فهي حاليا بصدد إصدار مجموعة قصصية عن مهن "مظلومة" على حد وصفها بعيداً عن الدكتور والمهندس فهي تحاول أن تقرّب الأطفال من مهن مختلفة من خلال بناء قدوة لهم في كل مجال من تلك المجالات مثل الصحافة والغناء وما إلى ذلك.

إذا أردت أن يكون طفلك قارئاً، أمسك أنت كتاباً واقرأ!

هذه النصيحة الأولى التي قالتها لنا سامية عندما سألناها عن الخطوات التي يمكن أن يتبعها كل شخص مع طفله كي تصبح القراءة جزءاً من حياته.

وحول ذلك تقول "عندما يرى الطفل أنك تمسك كتاباً وتستمتع بقرائته سيرغب هو أيضاً بالقيام بذلك، وحينها تعتبر القراءة بالنسبة إليه جزءاً من روتين يومه".

أما الأمر الآخر "عندما يتعلق الأمر بالقراءة لا تضعوا القوانين" تقول سامية "الفكرة هنا ليست حول نوع الكتاب الذي سوف تنتقيه لطفلك، فلا قاعدة واحدة في ذلك، إن كان يفضل اللغة الانكليزية أحضر له قصة باللغة الانكليزية، وإن كانت ميوله علمية أحضر له كتاباً علمياً".

يجب أن يصبح هذا الكتاب مصدر متعة للطفل وألا يرتبط فقط بالمدرسة والتعليم، وهناك خطوات بسيطة يمكننا القيام بها في المنزل بحسب سامية، على سبيل المثال وضع الكتب في صناديق ألعاب الأطفال وخاصة تلك المصنوعة من القماش والورق المقوّى.

"لا يجب أن يقتصر وضعها على رف خشبي بعيدة عن متناول يد الطفل" توضح سامية التي اعتادت على ذلك مذ كانت طفلة فقد كانت قصصها جزءاً من ألعابها وهذا أمر نقلته لأطفالها فيما بعد.

والآن كيف ستكتشف ما هو الكتاب المناسب لطفلك، باختصار من خلال الحوار معه ومعرفة ميوله، واستكشاف مواهبه والاستماع لآرائه ومناقشته فيها.

"إذاً كل شيء يبدأ من المنزل ومن أسلوب تعاملنا مع أطفالنا" على حدّ قول سامية.

هناك مقولة مشهورة لألبرت أينشتاين يقول "الخيالُ أكثر أهمية من المعرفة ، المعرفة محدودة . لكن الخيال يحيط بالعالم " وهو أمر تعتبره سامية جزء مهم في حياة كلّ منا تقول "لا يمكننا العيش بدون خيال"، وحتى أنّ الخيال جزء لا يتجزأ من عالم القصص.

فإذا كنت ممن يقرأ القصص بشكل شبه يومي لأطفالك ستجد نفسك للحظة لا تملك ذلك الكتاب لتقلب صفحاته وتسرد في قصصه، وهنا ما عليك إلا أن تقوم بما اعتادت سامية القيام به مع أطفالها وهو اللجوء إلى لعبة الخيال وابتكار قصص من خيالها وأطفالها.

رافقنا إلى جزء منها، تقول سامية:

كان يا ما كان في قديم الزمان، كان هناك طفلين جميلين اسمهما يوسف وغازي، كانا يلعبان أمام منزلهما وفجأة قاما بنفخ بالون من الماء والصابون فتشكلت فقاعة كبيرة بداخلها الطفلين، هيا يا يوسف وغازي حلْقا في السماء واسردا ما تشاهدانه".

الطفل يحتاج إلى مفتاح كي ينطلق، وسيدهشكم بخياله وعفوية أرائه "هم يحتاجون لمن ينصت إليهم ولا يحكم عليهم أو يفرض عليهم رأياً" توضح سامية.

 هذه البراءة الدهشة التي تصدر من  الطفل هي ما يدفع سامية للاستمرار في عملها بورش العمل، وخاصة أنها تجد نفسها بين جمهور عفوي، لا يلجأ إلى كلمات منمقة للتعبير عن رأيه، سعادته أو حتى غضبه وهذا ما يحتاجه كل منا على حد وصفها.

"أنا واثقة أن هؤلاء الأطفال بعد الانتهاء من ورشة العمل وتمثيلي تفاصيل الحكاية من قفز ونوم على الأرض وصراخ وبكاء، أنه عندما يصفق لي فرحاً فهو يعبر عن مشاعره بصدق".

Q: أيهما أفضل الكتب باللغة الفصحى أم باللهجة العامية؟

A: فيما يتعلق بالأدب والقصص لا أفضل حصرها بنوع معين، فلكل خاصيته.

اللهجة العامية تنقل وقائع القصة بشكل مختلف، تذكرنا بزمن الحكواتي وقصص الجدات وإلى ما ذلك.

واللغة العربية الفصحى تمتاز برنتها الموسيقية، وخاصة عندما تّحكى بطريقة موسيقية تجتذب الطفل، فالفصحى لغة تتفاوت ما بين البساطة والتعقيد.

في نهاية الأمر يجب أن نفكر باللغة كطريقة للتواصل، استعملوا اللغة التي ترتاحون بها وتساعدكم على إيصال أفكاركم.

سامية الصحافية التي تجد نفسها خلال اليوم غارقة في تغطية تفاصيل الأحداث التي تمر في منطقتنا العربية، هي في نهاية اليوم أم لولدين يكبران أمام عينيها وفي نفس الوقت قاصة حكايات تربطها بعالم الأطفال علاقة قوية جعتلها تعاهد نفسها أنه مهما انشغلت بعملها لن تتوقف عن ورشات العمل تلك.

فسامية التي جاءت من عائلة مثقفة كان لها دور كبير في تنشئة طفلة متواضعة مجتهدة لا تخشى التعبير عن نفسها ومنطلقة في مختلف المحافل، تدرك كل الإدارك أن الهبة التي قدمها والديها لها لا يجب أن تقف عندها.

ولا حتى عند ولديها!

وخاصة أننا لا زلنا في العالم العربي نعاني أزمة في الحوار مع الطفل، سواء في منازلنا أو حتى مدارسنا "عندما يتحدث الكبير يجب أن يسكت الصغير" تقول سامية "هذه واحدة من العبارات التي تفرض تبعية الطفل لوالديه".

إذاً تلخص ذلك سامية بأنه علينا أن نسعى جميعاً إلى كسر تلك التبعية خلال تنشئة الطفل، فهي مثلاً تبذل جهدها في خلق الحوار مع طفلها عاشق كرة القدم، تشاهد المباريات معه تقدّم له كتباً وقصصاً عن عالم الرياضة، ولا تسأم حديثه عن لاعبي كرة القدم وأخبارهم.

تختم سامية حوارها الشيق معنا بقولها " التواصل بين الأهل والأطفال هو أساس كل شيء، وهو يبدأ من المنزل".