من هي غريتا تونبرغ؟
لأول مرة في تاريخها مجلة التايم تختار فتاة صغيرة"شخصية العام" 2019
جديلة شعرها البنية اللون منسدلة على كتفها، ونظرة الغضب تعتلي وجهها، تتلاشى شيئاً فشيئاً لتنهمر الدموع على وجنتيها.
هذا هو باختصار المشهد الذي ارتبط بالفتاة غريتا تونبرغ/ 16 عاماً الناشطة في مجال الدفاع عن التغير المناخي، كلما ظهرت وهي تتحدث عن الكوارث التي ستلحق بالكوكب نتيجة التغير المناخي.
واليوم هذه الفتاة اختيرت من قبل مجلة التايم شخصية العام 2019.
كثيرون تساءلوا لماذا هي تحديداً من تم اختيارها!
لنأخذكم معنا في هذا التقرير بجولة في حياة هذه الفتاة التي رغم إصابتها بمتلازمة أسبرجر، وهو أحد أنماط مرض التوحد، استفزت رؤساء العالم وألهمت الملايين من الشباب للتظاهر في الشوارع.
مقطع الفيديو الذي غير حياتها
شاهدته وهي بعمر 11 عاماً
كان سيمر مثل أي يوم دراسي آخر، إلا أن مقطع الفيديو الذي عرضه أستاذ غريتا في مدرستها الابتدائية بالعاصمة السويدية استوكهولم قلب حياتها رأساً على عقب.
كانت غريتا تبلغ من العمر فقط 11 عاماً عندما تعرفت للمرة الأولى إلى الآثار الناجمة عن التغير المناخي.
الفيديو تحدث عن تجويع الدببة القطبية، وتقلبات الطقس الشديدة والفيضانات، وأوضح المعلم أن كل ذلك يحدث بسبب تغير المناخ.
طلاب الصف كلهم شعروا بالحيرة من أمرهم والانبهار.
انتهى الدرس وانصرف الأطفال وتمكنوا من المضي قدماً.
بخلاف غريتا التي بدأت تشعر بالوحدة الشديدة ودخلت في حالة اكتئاب شديدة، استمرت لشهور توقفت عن الكلام تقريباً، وواجهت مشاكل كبيرة في سوء التغذية.
حتى أن والدها وصف تلك المرحلة على أنها "حزن لا نهاية له".
توضح غريتا في إحدى المقابلات عما انتابها من مشاعر بوجود تهديد كبير لا أحد يهتم به ولا يتم إعطاؤه الأولوية.
في البداية، طمأنها والدها إلى أن كل شيء سيكون على ما يرام، ولكن عندما قرأ عن أزمة المناخ، وجد أن وعوده غير صحيحة.
يقول "لقد أدركت أنها كانت على حق، وكنت مخطئاً، كنت مخطئاً طوال حياتي".
وفي محاولة لتهدئة ابنته بدأت الأسرة في تغيير عاداتها التي تضر بالبيئة والمناخ، فمثلاً توقف معظمهم عن تناول اللحوم، وقاموا بتركيب الألواح الشمسية وبدأوا بزراعة الخضروات الخاصة بهم.
إضافة إلى ذلك تخلت أسرة غريتا عن استخدام الطيران.
يقول والدها "فعلنا كل هذه الأشياء، ليس لإنقاذ المناخ، لم نكن مهتمين بهذا الأمر في البداية"، "لقد فعلنا ذلك لجعلها سعيدة وحتى تعود للحياة ببطء".
وبالفعل هذا ما حصل بدأت غريتا تتناول الطعام والتحدث مجدداً.
وغريتا هي الابنة الوحيدة للممثل والكاتب السويدي سفانت تونبيرغ، ومغنية الأوبرا السويدية الشهيرة مالينا إيرنمان.
غضبها من أزمة المناخ وعلاقته بإصابتها بمتلازمة أسبرجر
خلال تشخيص غريتا تبين إصابتها بمتلازمة أسبرجر الأمر الذي يرتبط بردود أفعالها القوية بعد تعلمها عن أزمة المناخ.
نظراً لأنها لا تعالج المعلومات بالطريقة نفسها التي يقوم بها الأشخاص الآخرون.
فهي لا تستطيع إلا أن تفكر بحقيقة أن كوكبها في خطر.
تقول "أرى العالم بالأبيض والأسود، ولا أحب المساومة".
وعن إصابتها بمتلازمة أسبرجر تقول لمجلة التايم إنها "ممتنة لذلك لأنها لو كانت مثل أي شخص آخر كانت ستتجاهل الأزمة".
وأوضحت قائلة إذا كان دماغها يعمل بطريقة مختلفة فلن أكون قادرة على الجلوس لساعات وقراءة الأشياء التي أهتم بها".
وعادة من لديه متلازمة أسبرجر يتعامل مع العالم بحساسية زائدة ويكره الحشود ويتحدث بجمل مباشرة غير معقدة.
ولكن غريتا كانت سبباً في جمع وخروج تلك الحشود بالملايين إلى الشوارع!
من لديه متلازمة أسبرجر
يكره الحشود ويتحدث بجمل مباشرة غير معقدة
غريتا... حان وقت الإضراب
كانت الأعداد قليلة جداً في البداية!
بدأ كل شيء بلافتة مرسومة بحروف سوداء على خلفية بيضاء مكتوب عليها بالسويدية Skolstrejk för klimatet ومعناها الإضراب المدرسي من أجل المناخ.
حينها انطلقت غريتا مع مجموعة من ناشطين في مجال التغير المناخي، تواصلوا معها سابقاً بعد نشرها مقالة صحفية عن مخاطر التغير المناخي في صحيفة سويدية محلية.
واجتمع الغاضبون من الكوارث البيئية كل يوم جمعة أسبوعياً أمام البرلمان السويدي ومعهم غريتا.
حينها قامت الفتاة السويدية بنشر دعوات في مدرستها للمشاركة في الإضراب كتبت فيها:
"اسمي غريتا، وأنا في الصف التاسع، وأنا أضربت عن المدرسة من أجل المناخ"، وأضافت في المنشور نفسه "نظرًا لكون البالغين لا يكترثون لمستقبلي، فلن أكون كذلك".
وبدأت أصداء الحملة الشعبية التي أطلقتها غريتا بالانتشار، تفاصيلها التغيب عن المدرسة في أيام الجمعة للتظاهر أمام البرلمان السويدي وحث الحكومة على التحرك من أجل الحد من انبعاثات الكربون.
وفي كل يوم جمعة، كانت تقف غريتا في نفس المكان، تحمل نفس اللافتة، وينضم إليها البعض أحياناً وتقف وحيدة في أحيان أخرى، حتى أصبحت مثالاً للصمود والمثابرة.
وخلال 16 شهراً منذ بدء الاحتجاجات خاطبت غريتا رؤساء الدول في الأمم المتحدة والتقت بالبابا ودخلت في تراشق لفظي مع رئيس الولايات المتحدة.
وألهمت 4 ملايين شخص للانضمام إلى إضراب المناخ العالمي في 20 سبتمبر 2019، وكانت أكبر مظاهر من أجل المناخ في تاريخ البشرية.
ودُعيت غريتا للتحدث عن قضيتها أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، وقمة المناخ في بولندا، ومنتديات تيد في ستوكهولم.
كلامها في كل مرة كان قاسياً عاطفياً نقلت من خلاله الذعر الذي يعتريها مما ينتظر هذا الكوكب الذي نعيشه.
ماذا قالت لزعماء العالم؟!
"أنتم لستم ناضجون بما يكفي!!"
عندما وقفت غريتا أمام كبار المديرين التنفيذيين وقادة العالم في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا في يناير/ 2018 قالت بغصة وألم كبيرين "أريدك أن تشعر بالذعر"، "أريدك أن تشعر بالخوف الذي أشعر به كل يوم، ثم أريدك أن تتصرف".
واتهمت غريتا قادة العالم خلال قمة المناخ العام الماضي بالتقصير في مواجهة قضية التغير المناخي.
وخاطبتهم قائلة: "تتحدثون عن نمو اقتصادي صديق البيئة لأنكم خائفون من تراجع شعبيتكم، تتحدثون فقط عن المضي قدماً في نفس الأفكار السيئة التي انتهت بنا إلى الفوضى التي نعيشها الآن، حتى وإن كان الحل البديهي هو التوقف الفوري عن هذا النهج. أنتم لستم ناضجون بما يكفي لمواجهة هذه الحقيقة، هذا العبء تتركونه لنا نحن الأطفال".
وأضافت "تقولون أنكم تحبون أطفالكم أكثر من أي شيء، لكنكم تسرقون مستقبلهم أمام أعينهم".
وقد رددت في أكثر من مناسبة كلامها الموجه لكل الكبار "المتقاعسين" بقولها
"يواصل الكبار قولهم نحن مدينون للشباب بمنحهم الأمل، لكنني لا أريد أن تكون متفائلاً، أريدك أن تشعر بالذعر، وأن تشعر بالخوف الذي أشعر به كل يوم ثم أريدك أن تتصرف".
ربما الناشطة البيئية لا تملك الحل السحري لتغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، لكنها نجحت في إحداث تحول عالمي في المواقف وحولت قلق الكثيرين إلى حركة عالمية تدعو إلى التغيير العاجل.
باختصار، لقد قدمت دعوة واضحة إلى أولئك الذين هم على استعداد للعمل، وألقت العار على أولئك الذين ليسوا كذلك.
فعلى مدى عقود ، ناضل الباحثون والناشطون من أجل حث قادة العالم على التعامل مع تهديد المناخ على محمل الجد، لكن هذا العام ، لفتت انتباههم هذه الفتاة غريتا.
"تقولون أنكم تحبون أطفالكم أكثر من أي شيء، لكنكم تسرقون مستقبلهم أمام أعينهم" غريتا
لماذا علينا أن نشعر بالذعر؟ تماماً مثل غريتا!
تستضيف الأمم المتحدة حالياً قمة للمناخ، يناقش فيها زعماء العالم سبل تنفيذ اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 والتي تهدف إلى تجنُّب احتباس حراري كارثي.
ويجب أن يتفقوا على اتخاذ إجراء تحويلي لخفض انبعاثات الغاز، فإن ارتفاع درجات الحرارة في العالم سيصل إلى 1.5 درجة مئوية.
وهو أمر يحذر العلماء من أنه سيعرض حوالي 350 مليون شخص إضافي للجفاف ويدفع ما يقارب من 120 مليون شخص إلى أقصى حدود الفقر بحلول 2030.
لكل جزء من درجة الحرارة التي ترتفع ستزداد هذه المشاكل سوءاً.
سنشهد حينها ارتفاع في مستوى سطح البحر، الذي بدوره يسبب حدوث فيضانات وتهديد للجزر والمخاطر باختفاء المدن الساحلية.
وهذه التغيرات في ظروف الحياة في البيئات الطبيعية تسبب الموت والمرض لبعض أنواع النباتات والحيوانات والهجرات الجماعية للحيوانات وتصاعد ظاهرة لاجئي المناخ.
إضافة إلى ظواهر مناخية عنيفة مثل الأعاصير والجفاف والأمطار والثلوج.
إذاً، ما تدعو إليه غريتا أمر كبير وخطير، ولكنه استفز أيضاً عدد من زعماء العالم ومنهم رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب.
غريتا، أغضبت ترامب وهددها البعض بالقتل!
"لقد تحولت من فتاة غير مرئية إلى ناشطة عالمية" هكذا باختصار وصفت نفسها غريتا في إحدى حواراتها مع نيويورك تايمز.
ولكن ما حصل معها كان أكبر من ذلك بكثير، فقد أصبحت هذه الفتاة وجهاً رائداً لحركة ألهمت ملايين الأطفال الآخرين في 100 دولة على الأقل للمطالبة بتغيير المناخ.
لكن هذه الحركة لم تنل رضا عدد كبير من السياسيين ومنهم الرئيس الأمريكي الذي انسحب من اتفاق المناخ، قال عن غريتا في تغريدة نشرها على حسابه تويتر:
"فتاة شابة سعيدة للغاية تتطلع إلى مستقبل مشرق ورائع."
أما ماكسيم بيرنيير، زعيم حزب الشعب اليميني المتطرف في كندا، وصفها بأنها "غير مستقرة عقلياً بشكل واضح."
وتلقت غريتا وعائلتها تهديدات بالقتل لدرجة أنها أصبحت الآن محمية في كثير من الأحيان من قبل الشرطة عندما تسافر.
ولكن في الوقت نفسه
قدمت 60 دولة الوعود بالعمل على إزالة آثار الكربون بحلول عام 2050، ويدرج الناخبون في كل من ألمانيا وهولندا والنمسا والسويد تغير المناخ كأولوية قصوى بالنسبة لهم.
حصلت الأحزاب الخضراء على مقاعد في البرلمان الأوروبي من ألمانيا والنمسا وهولندا وأكثر من ذلك.
ساعدت هذه الانتصارات في دفع رئيس المفوضية الأوروبية الجديد إلى الوعد بـ "صفقة خضراء" لأوروبا.
في الولايات المتحدة ، توصل استطلاع للرأي أجرته صحيفة واشنطن بوست مؤخراً إلى أن أكثر من ثلاثة أرباع الأميركيين يعتبرون الآن تغير المناخ "أزمة" أو "مشكلة كبيرة".