عندما ذهب العالم بعيداً، صنعنا واحداً جديداً
قصة مصوّر عماني جمع أطفال أيتام في فريق "صوارة"
قبل 5 أعوام رنّ هاتف المصور العماني أحمد الحوسني، كان اتصالاً عادياً من أحد المشرفين في مركز للطفولة يطلب منه أن يعطي الأطفال هناك محاضرة عن التصوير.
لكن ما لم يكن حينها يعرفه هذا المصور أن طفلاً صغيراً كان وراء ذلك الاتصال، وأن تلك المحاضرة ستغيّر الكثير في حياته لأنه لن يكون نفس الشخص بعد دخول هذا المركز، وأن هؤلاء الأطفال سيصبحون جزءاً من حياته يرافقونه حتى هذه اللحظة.
طفل عمره 13 عاماً وراء اللقاء الأول
يتذكر المصور الشاب العماني خلال حديثه مع Tiny hand ذلك اليوم، عندما حمل كاميرته وعدة التصوير وتوجه لمركز الطفولة، يقول "كان الأطفال بانتظاري بحماسة كبيرة، يحملون في جعبتهم أسئلة كثيرة كي يدخلوا عالم التصوير".
ومن بين هؤلاء الطفل كان ياسر الذي لم يتجاوز حينها الـ13 عاماً، كان أول من استقبل أحمد، يقول "التقيت قبل أيام صدفة بياسر في الطريق حينها سألني عن عدة التصوير التي أحملها وأخبرني عن أمنيته بتعلّم التصوير".
فقدّم له أحمد بطاقته وعليها معلوماته ورقمه، وما كان من ياسر إلا أن أعطى تلك البطاقة لأحد المشرفين في المركز ليقوم بدوره بتوجيه دعوة لأحمد ليقدم تلك المحاضرة التي حضرها جميع أطفال المركز.
ما أن انتهت المحاضرة حتى حسم أحمد قراره، وقرر متابعة العمل مع الأطفال في مجال التصوير بعدما لمس الحماس والشغف الذي يتمتعون به.
"كان ذلك واضحاً عندما كنت أتحدث عن صوري، كانوا يقولون لي أنهم يرغبون بالتقاط صور شبيهة، ولديهم رغبة كبيرة بتعلم تقنيات التصوير" يقول أحمد.
وبالفعل هذا ما حصل، قدّم لهم لاحقاً ورشة تدريبية على مدار 4 أيام، ثم تحوّلت تلك الورشات إلى دروس مستمرة.
وأخيراً تطورت الفكرة إلى تأسيس فريق "صوارة".
ليس من الضروري أن تمتلك المال ولكنك بالتأكيد تمتلك أموراً أكبر بكثير من المال يمكنك تقديمها
لذلك أسمي ما أقوم به "زكاة الفن" أحمد
الـ"صوارة"... ليست مجرد آلة تصوير!
قديماً كان يقال عن آلة التصوير "صوارة" كما يوضح لنا أحمد، "من هنا قررت إطلاق اسم صوارة على فريق التصوير الذي شكلته من أطفال المركز حيث خضع 107 طفل لدورة عن أساسيات التصوير ومنها انتقيت 6 مصورين وجدت بداخلهم رغبة قوية للمتابعة".
ومع الوقت وصل عدد أعضاء فريق التصوير إلى 27 طفلاً وطفلة.
المميز بالفكرة التي أسس أحمد على أساسها هذا الفريق هي "الاستدامة"، فهو لا يكتفي بتدريبهم على تقنيات التصوير، بل يقدم لهم محاضرات في المجال الأكاديمي يقول "أعمل على تطوير مهاراتهم في تقديم المحاضرات، وأنمي قدراتهم على تدريب الآخرين".
كل ذلك باختصار كي يضمن متابعة انتقال المهارات من الطلاب الأكثر مهارة للآخرين فهو "لا يعرف ما تحمله الأيام من ظروف قد تمنعه وتعيق متابعة تعليمه هؤلاء الطلاب، ومن المهم أن يتابعوا تعليمهم وتطوير مهاراتهم في التصوير" يقول أحمد.
وهذا الأمر استدعى من أحمد تخطيط عمل الفريق كاملاً من أصغر التفاصيل إلى أكبرها، ليسهل على المدربين الجدد العملية.
فمثلاً جهز استبياناً على كل طفل يرغب بالانتساب إلى فريق "صوارة" ملؤه، يجمعون من خلاله أكبر قدر من المعلومات عن الأطفال مع مراعاة أعمارهم، حيث يطلب من الصغار من العمر التعبير عن أنفسهم بالرسم.
واليوم هناك 7 طلاب من المجموعة مؤهلين لتقديم المحاضرات عن التصوير، ويشرف على العملية الكاملة أحمد.
ولا يتوقف نشاطات المجموعة على المحاضرات بل يقومون بتنظيم رحلات تصوير لمختلف المناطق في عمان.
وأيضاً يستلم التنظيم والتنسيق أحد الطلاب، يتم التصويت على الاسم وتقييم عمله بعد الرحلة.
ولهذه الرحلات سحر خاص يلمسه أحمد واضحاً على وجوه الأطفال بعد انتهاء كل رحلة.
نحن لسنا فقط مصوّرين !
لكل صورة تلتقطها عدسات كاميرات فريق "صوارة" قصة، قصة جميلة تستحق أن تروى بكل تفاصيلها فهي لم يتم التقاطها صدفة.
فقبل زيارة أي مكان يقرؤون عنه، ويبنون فكرة شاملة عما سيرونه في تلك المنطقة، وعندما يصلون إلى المكان ينقسمون إلى مجموعات وتقوم كل مجموعة بالتقاط صورها.
وهنا يوضح أحمد أنه لضعف التمويل المادي يضطر كل 3 أطفال إلى استخدام كاميرا واحدة، لكل منهم شريحة ذاكرة خاصة بصوره.
وبعد انتهاء الرحلة يتم تقييم الصور، صورة صورة من حيث جودتها والإضاءة والتقنية المستخدمة خلال التصوير.
وليس ذلك فقط، حيث تعمل المجموعة تحت شعار "نحن لسنا مصورين فقط" حيث ينظمون رحلات تطوعية تخص المجتمع العماني، لمدة تصل إلى 50 ساعة سنوياً يساهمون من خلالها في حملات تشجير وتنظيف وغيرها من نشاطات بيئية.
"نحن لا نريد أن ينظر إلينا المجتمع بنظرة شفقة لأننا أيتام، بل نحن نبحث عما يحتاج إليه مجتمعنا من أمور ونتطوع للقيام بها من حملات تنظيف وتشجير" فريق صوارة
جوائز محلية وعالمية مهمة
حصل فريق "صوارة" على العديد من الجوائز على الصعيدين المحلي والعالمي، وكانت سبباً في تحقيق مردود مادي جيد لهم لكن الأهم من ذلك حسب وجهة نظر أحمد العامل المعنوي والنفسي.
يقول "هم فخورون بما أنجزوه وخاصة أنهم من خلال تلك الجوائز يعتبرون قدوة لغيرهم سواء من داخل المركز أو من خارجه".
فالدور الذي يلعبه هذا الفريق لا يقتصر على تصوير منطقة معينة ما في السلطنة، بل هم يحرصون أيضاً على نشر تلك الصور على منصات التواصل الاجتماعي والترويج للمناطق التي يزورونها ونشر معلومات عنها، والتوعية عن أهميتها وبالتالي تشجيع الآخرين لزيارتها أيضاً.
ولتحقيق تلك الأهداف بنجاح يحرص أحمد أن يتخصص فريقه في التصوير، كل طفل يختار المشروع الذي سيعمل عليه مثل "حياة الناس، الطبيعة، النجوم، بورتريه… وهكذا"
"التخصص مهم جداً للنجاح فيما يقومون به" يقول أحمد.
والأمر نفسه بالنسبة لأحمد الذي تخصص في تصوير الطبيعة من جهة وتصوير حياة الإنسان العماني بتفاصيلها، يقول "لا يزال المجتمع العماني يحافظ على العادات والتقاليد، فلكل ولاية هنا زيها التقليدي الخاص".
ويضيف "تاريخ عمان ثري جداً لو قضيت عمري كله أصور تلك التفاصيل لا أعتقد أنني سوف أنهيها".
أحمد أيضاً حاز على عدد كبير من الجوائز بفضل صوره وعمله التطوعي، وربما أهمها جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي للعام 2019.
وفيما يلي الجوائز التي حاز عليها:
• مسابقة تصوير البيئة على مستوى سلطنة عمان 2015 – المركز الأول
• ملتقى البريمي الخامس للتصوير الضوئي 2015 – المركز الأول
• مسابقة إبداعات شبابية 2015 – المركز الثاني على مستوى محافظة البريمي
• مسابقة شبابية على مستوى محافظة البريمي 2014 – المركز الأول في المحور العام
• مسابقة شبابية على مستوى محافظة البريمي 2014 – المركز الأول في المحور الرياضي
• مسابقة شبابية على مستوى ولايه الخابوره 2016 - المركز الاول
•مسابقة عمان بلاد الجمال على مستوى السلطنة 2014–المركز الثاني
• مسابقة الهجانة السلطانية العمانية على مستوى السلطنة 2014 – المركزالثالث
• ملتقى البريمي الرابع للتصوير الضوئي 2014 – المركز الثالث
• اختياري في عام 2017 من بين أفضل ثلاثة شباب ملهمين على مستوى السلطنة من قبل
اللجنة الوطنية للشباب
• تحكيم مسابقة إبداعات شبابية في مجال التصوير الضوئي على مستوى السلطنة - 2019
• تحكيم مسابقة ريد بول في مجال التصوير الضوئي على مستوى السلطنة - 2019
• تحكيم العديد من المسابقات والمعارض على المستوى المحلي من عام 2017 إلى 2020
الإنجازات الدولية :
• وسام فنان FIAP – الاتحاد الدولي للتصوير الضوئي
• العديد من الميداليات الدولية ابرزها( ذهبية المانيا الدولية لعام 2015 - فضية صربيا الدولية لعام 2015-شرفية فرنسا الدولية لعام 2014 ).
"صوارة" منزلي والحديث عنها لا ينتهي!
رغم أن أحمد لا يستطيع زيارة المركز في الفترة الأخيرة بسبب انتشار فيروس كورونا وخوفه على الأطفال من الإصابة به، إلا أنه لا يزال على تواصل يومي معهم.
يتحدثون كثيراً، يعقدون لقاءات وورشات أون لاين عبر مختلف التطبيقات المتاحة، يستضيفون مخرجين ومصورين للحديث عن التصوير وتقنياته وكيفية تسويق الصور الملتقطة.
كل ذلك من أجل ضمان تطوير مهارة التصوير لدى فريق صوارة، فبحسب الدراسات التي اضطلع عليها أحمد يجب تنمية الموهبة عند الطفل من عمر ثمانية سنوات والحرص على تخصيص ساعتين أسبوعياً في تنمية تلك الموهبة بكافة الطرق.
"ومع مرور الأيام ستظهر نتيجة ذلك الجهد واضحة عنده" يقول أحمد الذي ختم بقوله "فريق صوارة هو عائلتي ولن ينتهي الحديث عنهم مهما أطلت ربما أحتاج أياماً كي أوفيهم حقهم".