يد صغيرة ملطخة بالسواد
مجتمع النفط في الشمال السوري، كل شيء مؤقت إلا الخطر القادم!
لهب من النار يظهر من بعيد، كلما اقتربت من التلة يزداد عدد شعلات النار التي تظهر من بين الأشجار مترافقة مع دخان أسود، هي تلّة الحراقات كما يفضّل السوريون أن يلقبوا مصافي النفط البدائية المؤقتة التي تستخدم في تكرير النفط وتحويله إلى محروقات للاستخدام اليومي، حيث تنتشر في منطقة قبة الشيح شرقي حلب.
في هذا المكان حيث سنعرفك على لتفاصيل العملية "الخطيرة"، والتي يشارك في بعض مراحلها أطفال منهم لم يتجاوز العاشرة من عمره.
5 آلاف مصفاة نفط "مؤقتة" والنمو مستمر!
رغم عدم توفر إحصائية لعدد مصافي النفط المؤقتة الموجودة في الشمال السوري، إلا أن تقرير منشور في موقع Bellingcat يشير إلى وجود ما يصل إلى 5000 مصفاة نفط نشأت في السنوات الأخيرة وفق صور التقطتها الأقمار الصناعية.
فأصبحت المسابح السوداء والخنادق الطويلة والأرض المتفحمة مشاهد مشتركة في حقول شمال غربي سوريا، وهي باختصار علامات على اقتصاد نفطي غير رسمي تطور خلال الحرب.
وتستمر هذه المصافي في النمو، رغم إدراك كل شخص قابلناه في هذا التقرير بظروف هذا العمل الخطرة مثل البراميل التي يمكن أن تنفجر، وتعرَض الناس للأبخرة السامة الناجمة عن عملية الاحتراق المستمرة، وأخيراً تورط الكثير من الأطفال في هذا العمل!
فهم يساعدون في بناء هذه المصافي، ويقومون بالتناوب على حراستها ويشاركون في عملية بيع المنتجات الناجمة عن تكرير ذلك النفط.
لمشتقات النفط ألقابها!
بنزين رأس طبخة، بنزين ممتاز، بنزين نظامي، مازوت ممتاز، كاز أبيض، كاز اصفر، تسميات لأنواع المحروقات التي باتت تباع في الشوارع بمدينة الباب شرقي حلب ومثلها بكل المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري.
تتميز المحروقات التي تنتجها المصافي المحلية بأسعار منخفضة عن تلك التي تأتي من مناطق سيطرة القوات النظامية.
بات وصف نظامي مرتبط بالمحروقات التي تأتي من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الرئيس السوري بشار الأسد، بينما المكرر لتلك التي تنتج عن طريق المصافي المحلية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، حيث انتشرت المصافي بشكل كبير بعد خروج أغلب آبار النفط عن سيطرة النظام السوري، فبات الاعتماد عليها أساسي لإنتاج المادة الأهم بعد قطعها من قبل النظام السوري عن المناطق الخارجة عن سيطرته.
وتستخدم هذه التركيبات البدائية في الطهي والتدفئة ووسائل النقل.
والآن جولة داخل أحد تلك الحرّاقات
خالد الذي ينحدر من بلدة السفيرة شرقي حلب كان نزح إلى ريف حلب الشمالي مع سيطرة النظام على بلدته، يعمل اليوم على ترميم المصفاة الخاصة به، حيث كانت قد كلفته مبلغ 19 ألف دولار أمريكي.
يقول لـ "Tiny Hand" إن "سعر الحراقة التي نعمل بها يتراوح ما بين 15 ألف دولار و20 ألف دولار والأمر يختلف حسب سعة الخزانات من البراميل، ويوجد اليوم في المنطقة ما يقارب الـ 500 حراقة موزعة على ثلاثة تجمعات".
أسعار المحروقات تتغير بشكل شبه أسبوعي في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة.
خالد وهو يعمل على فرش أرض المصفاة بغلاف عازل لمنع تسرب المياه يتحدث عن هذا العمل وهو مدرك أنه "خطير للغاية"، يقول "نعمل على إشعال نار أسفل خزان الفيول من أجل رفع حرارته فتبدأ المواد بفرز بعضها اعتماداً على الحرارة، العمل بشكل عام خطر جداً ولكن ليس لدينا خيار آخر".
كلام السفراني يؤكده عبد الله أبو محمد 30 عاماً من بلدة السفيرة شرقي حلب "نعاني نحن كعاملين في هذا المجال من الانبعاثات التي تنتج عن العملية، حيث يخرج النفط غازات سامة ومواد كيميائية قاتلة، هناك الكثير من العمال قتلوا خلال العمل أو بسبب الأمراض، يوم أمس قتل أحد زملائنا بانفجار الحراقة، حيث تعرض لحروق ولكن الضغط الناجم عن انفجار الحراقة هو الذي قتله حسب الطبيب".
وتعتبر عملية التكرير "عملية صعبة وطويلة، حيث تأخذ العملية من 24 ساعة الى 36 ساعة من أجل إنتاج المحروقات، حيث نقوم بعدها بإخراج الفحم والزفت من مخلفات تكرير النفط من داخل الخزان، العملية تستغرق ثلاثة أيام" بحسب أبو محمد الذي يقدر الأرباح التي تجنيها المصفاة الواحدة في كل مرة تعمل فيها بتكرير صهريج نفط بين 200 ألف ليرة سورية ما يعادل 400 دولار أميركي و600 ألف ليرة سورية (1200 دولار أمريكي).
مصاف بدائية في كل شيء!
العمل في مجال النفط لم يقتصر على تكرير النفط واستخراج المحروقات، فهناك ورشات صيانة وتركيب تعمل بشكل دائم في المنطقة، فأعطال المصافي كبيرة كون عملها بدائي يعتمد على إشعال النار أسفل الخزانات، وهنا يكثر عمل الأطفال.
فتكاد لا تخلو ورشة من الأطفال وخاصة تلك المختصة بتشكيل حجارة بناء من الطين، فهي الأكثر انتشاراً لأنها على حد قول العاملين فيها "الأكثر تحملاً للحرارة العالية التي تشعل أسفل الخزان، فهذه الحجارة توضع بمحيط الخزان لحفظ الحرارة".
المحطة الأخيرة
البائع والمشتري!
التقينا زكريا/ 14 عاماً على أحد البسطاتحيث يقوم المحروقات منذ عامين، قبل ذلك كان يعمل بديرالزور.
يدير اليوم إلى جانب والده بسطة لبيع المحروقات بأحد شوارع مدينة الباب شرقي حلب "نحن نحضر المحروقات من المصافي المنتشرة في المنطقة، حيث يتم بيعنا بسعر الجملة".
ويقول لـ "Tiny Hand" يبلغ سعر البنزين النظامي 500 ليرة سورية ما يعادل دولار واحد، بينما نبيع المكرر بسعر يتراوح بين 150 ليرة سورية ما يعادل 30 سنت اميركي الى 250 ما يعادل 50 سنت أميركي حسب نظافة البنزين".
وبينما ينشغل زكريا بمفاصلة أحد المارة حول نظافة البنزين وسعره المرتفع، يحذر الكثيرون حول المشاكل الناجمة عن تلك العملية الخطيرة وما تسببه من أمراض للجهاز التنفسي والجلد.
وعلى المدى الطويل ستكون المسبب الرئيسي لأمراض السرطان في المنطقة، فحرق هذا الوقود يوماً بعد يثير الكثير من المخاوف بين السكان المحليين في تلك المنطقة.