الجميلات هنّ من يستيقظن مبكراً
هنّ الأمهات في المخيمات!
الجميلات هنّ من يستيقظن مبكراً، يأخذن الصباح من بدايته، اللواتي يلقنَّ العصافير ماذا تغني! "نزار قباني".
والجميلات هنّ الأمهات في المخيمات السورية، هنّ الأمهات النازحات اللواتي حملن على كفّ أطفالهن وعلى كفّ آخر هموماً أكبر من هذا العالم!
هنّ اللواتي يستيقظن مبكراً، في حال غفت عيونهن!
وهنّ من جعلن من الخيمة منزلاً، ومن الحصيرة سريراً، ومن الحجارة طعاماً!
الجميلات هنا هنّ 4 أمهات نزحن من 4 مناطق مختلفة لكل واحدة قصة لا تشبه القصص الأخرى، ولأولادهن طريقتهم في الاحتفال بهن في عيد الأم 21 مارس.
مريم:
الأقرب إلى قلبي غائبهم وصغيرهم ومريضهم!
على بعد 100 كم عن منزلها في سراقب بريف إدلب، تعيش اليوم مريم فياض/52 عاماً داخل أحد الصفوف المدرسية في مدينة أعزاز شمالي سوريا.
لم يرافقها في رحلة النزوح هذه كل أولادها، فقد فرّقتهم الحرب التي اندلعت في البلاد منذ 9 سنوات، فمريم أو حياة كما تحبّ أن يناديها من حولها، لديها 10 أولاد الكبار منهم غادروا البلاد وبقي معها الأصغر عمراً واثنتين من بناتها وأحفادها الثمانية.
أصغر الأحفاد واسمها حياة هي الأقرب إليها، تقول مريم لـ "Tiny Hand" إن " أقرب الأبناء لقلب الأم هو غائبهم وصغيرهم ومريضهم، أشتاق لابني الكبير الغائب عني لم ألتق به منذ قرابة 5 سنوات".
تزداد غلاوة أبنائي في قلبي يوماً بعد يوم وسيستمر ذلك إلى أن أموت، تقول مريم.
أسندت رأسها على أحد جدران الصف الذي تعيش داخله مع 15 فرداً آخرين، وأغمضت عينيها، تنهدت طويلاً قبل أن تبدأ بسرد مواصفات أولادها وبناتها.
تقول "سليمان يفكر بإخوته قبل أن يفكر بنفسه، إبراهيم صاحب الكلام الجميل يعرف ماذا يقول ومتى يقوله، سلمى ابنتي الحنونة تحب الخير لكل من حولها، عفاف ذات القلب الطيب، جاسم المبذر، سعاد صاحبة الأحلام الكبيرة، عبدو الأنيق، عائشة سيدة منزل بكل ما تحمله الكلمة من معنى، رقية مهذبة قليلة الكلام، وأخيراً جمعة المدلل".
أنهت مريم كلامها تلفتت يمنة ويساراً وكأنها عادت من حلم جميل كان يجتمع فيه كل أطفالها من حولها في منزلهم بسراقب.
"كان المنزل بسيطاً، دافئاً تحت سقفه سمعت كلمة ماما لأول مرة حينها شعرت أنني أملك الدنيا" تقول مريم، "لكن الحرب أثقلت كاهلي وخاصة في السنوات الأخيرة، ننزح من مكان لآخر وفي الوقت نفسه أفكر بأولادي وأحفادي ماذا ينتظرهم".
خذلتها دموعها التي انهمرت من عينيها، مسحتها سريعاً كي لا يراها أحفادها تقول "مثلاً ابني الكبير يرفض الزواج يقول إن تأمين احتياجات إخوته هو أهم أولوياته".
أحلامها لأولادها كبيرة جداً، لكنها وبسبب الظروف اقتصرت على تأمين طعام وملابس لهم "هذه أولياتي من هذه الحياة" تقول مريم "ربما يوماً ما سأفكر بنفسي وبرغباتي".
فالهدية الأجمل في عيد الأم بالنسبة لها هي كلمة لطيفة من أولادها ورؤية السعادة في عيونهم.
تقول "هم يعملون جاهدين كي أشعر أن كل يوم هو عيد أم".
وهذا ما قالته لنا عفاف "أمي الحنونة أعظم أم، فقد صبرت من أجلنا وقدمت الكثير لنا، وحملت على عاتقها ما لا تحمله جبال، يوم واحد لا يكفي كي نحتفل فيها".
فضة:
أولادي ومنزل من قماش ومئات الأحلام
186 كيلو متراً فقط تفصلها عن منزلها الذي نزحت منه، ومئات الأحلام.
استقبلتنا فضة/ 50 عاماً في خيمتها المتواضعة في أحد المخيمات العشوائية في منطقة أعزاز شمال غربي حلب، رغم بساطة الخيمة لكن كان كل شيء جميل فيها، طريقة ترتيب الأغراض تؤكد على وجود سيدة أنيقة تدير هذه الخيمة.
فقد تعلّمت فضة بعد النزوح الرابع والتنقل بين عدد من المناطق السورية بدءاً من مدينتها في الطبقة القريبة من مدينة الرقة وصولاً إلى أعزاز، تعلّمت كيف تصنع منزلاً من قماش!
"فالنزوح هو النزوح" تقول فضة لـ " Tiny Hand" لذلك "تنتقل كل مرة من مكان هرباً من الموت، لمكان آخر وظروف أصعب، تعلمت خلال هذه السنوات كيف أصنع منزلاً لأولادي".
أن تكون أماً لـ 17 ولد ليس بالأمر السهل، وهذا ما تدركه فضة تمام الإدراك فهي تستيقظ صباحاً قبل مطلع الفجر، للعمل في الزراعة وتأمين ما يحتاجه أولادها.
ومنهم عامر/ 12 عاماً الذي نظر إليها مطولاً خلال حديثها معنا، فهو يعلم شقاء والدته من أجلهم، أمسك يدها وقبّلها، تقول فضة "هذه هي هدية عيد الأم، هذه القبلة تكفي!".
لم تمر كلماتها مرور الكرام على ابنها عامر، الذي عانقها وقال لنا "إنها حنونة جداً، تعمل على تأمين كل ما نرغب به، أعرف أنها لا تملك المال الكافي وفي كثير من الأحيان هي لا تملك شيئاًَ، لكنها تقوم بالمستحيل من أجلنا".
ليس المال فقط ما تسعى إلى تأمينه فضة بل تعليم أولادها أيضاً، تقول "أنا أمية! ولا أريد أن يكون مصير أولادي الجهل!".
فقد طالبت فضة مع القاطنين في هذا المخيم تأمين كرفان لتعليم الأطفال هنا، ولكن "لم يستجب أحد لطلبنا" تقول فضة لكن "على ما يبدو أن هذا الأمر معلّق في الوقت الحالي، تماماً كجميع أحلامنا المعلقة"!
خيمة الأحلام المعلّقة: تعليم الأطفال الحلم الأكبر!
فاطمة
هدية عيد الأم: قطعة بسكويت ووردة!
80 كيلومتراً تلك التي قطعتها فاطمة/ 28 عاماً للوصول إلى محطة النزوح الأخيرة في أحد المخيمات العشوائية في أعزاز شمال غربي حلب.
حملت فاطمة معها في رحلة النزوح التي أجبرتها على مغادرة منزلها في ريف إدلب وتحديداً من حزانو، الكثير من الذكريات والقليل من الأغراض و3 أطفال.
وهم سلمان الذي يحب الدراسة لكن لا مدارس هنا كي يتابع تعليمه، ويسرى الحنونة التي تساعد والدتها في أعمال المنزل وأخيراً حجيلا الهادئة والخجولة.
كلمة ماما: تعني بداية حياة جديدة
قبل عيد الأم من كل عام يجتمع الأطفال الثلاثة ومع كل واحد منهما ما يملك من نقود ليشتروا بها هدية لوالدتهم، العام الماضي اشتروا لها قطعة بسكويت ووردة!
يقول سلمان أكبر أولاد فاطمة لـ"Tiny Hand" إن "أمي أجمل شخص في هذه الحياة، جميلة بكل تفاصيلها، لأنها تقدّم لنا كل ما نريده".
قاطعته هنا فاطمة، بقولها "رغم أنهم لا يطلبون شيئاً مستحيلاً، هم فقط يريدون الطعام والملابس، الاعتناء بهم في زمن الحرب أمر صعب جداً ويتطلب الكثير من الصبر".
نهلة:
كلمة "ماما" من ابني المفقود
بينما ينشغل العالم العربي في الاحتفال بالأم في هذا اليوم، تراه نهلة يوماً ثقيلاً على قلبها، يحرّك الهموم الكامدة بداخلها لأنه سيمرّ بدون حميد ابنها المفقود.
رغم مرور 3 سنوات على اختفاء ابنها البالغ من العمر 27 عاماً في الرقة التي كانت حينها عاصمة داعش أو كما يقال عنه تنظيم الدولة الإسلامية، ولكنها لم تيأس من انتظار تلك اللحظة التي سيدخل عليها من باب منزلها المدمر، يعانقها ويمسح عن وجهها تعب الفراق ورعاية 4 أطفال!
تقول نهلة التي تعيش في مدينة الباب القريبة من حلب "بعد اختفائه، تخلت زوجة ابني عن الأطفال ورحلت، وأنا اليوم أقوم بدور أمهم وأبوهم وصديقتهم".
حميد هو واحد من قرابة 8 آلاف شخص اختفوا على يد التنظيم ولا يزال مصيرهم مجهول رغم انهيار داعش، "لا أحد يعرف أين هم" تقول نهلة.
حميد هو ابنها الأكبر وهو أول من نطق كلمة "ماما"، وهذه هي الهدية التي تنتظرها نهلة لهذا العام "ما أجمل كلمة ماما عندما يقولها حميد".
ربما ليست نهلة وحدها من تجد يوم عيد الأم يوماً يثقل الكاهل، ويحملها وجعاً فوق وجع النزوح، فبينما سرحت تفكر بابنها المفقود، سرحت حفيدتها تالة تفكر بوالدتها أيضاً التي تخلّت عنها وإخوتها!
هناك قرابة 8 آلاف شخص ما زالوا مفقودين على يد تنظيم داعش ومصيرهم مجهول منهم حميد!
وتبقى قصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش من أجمل ما قيل عن الأم وقهوتها ولمستها!