من فيكن ملالا؟ أنا ملالا وهذه هي حكايتي:
الباكستانية التي نجت وقلمها من رصاصة "طالبان"
صباح 9 أكتوبر العام 2012 كان سيكون يوماً عادياً في وادي سوات بباكستان، ذلك المكان المعروف بطبيعته الخلابة والذي زارته يوماً ملكة بريطانيا لجماله الساحر.
لكن ذلك الصباح لن يكون عادياً، وتحديداً داخل حافلة مدرسية صغيرة كانت تقلّ فتيات باتجاه مدرستهم، حافلة لم تنهي رحلتها ولم تصل إلى المدرسة في ذلك اليوم، فرصاصة انطلقت من سلاح مسلح أوقفت كل شيء وغيّرت كل شيء.
فقد كانت تلك الرصاصة تحمل رسالة، وهي قتل الطفلة ونشر الرعب في قلوب فتيات سوات للتوقف عن ارتياد المدرسة.
لكن الطفلة نجت من الموت المحتم، واستمرت الحافلة في رحلتها باتجاه مدارس باكستان.
لكن لماذا اختار المسلح هذه الطفلة تحديداً؟
رافقنا في رحلة بحياة ملالا يوسفزي
ولادة طفلة في مجتمع ذكوري
ما معنى اسم "ملالا"!
"ما أن نظرت في عينيها، حتى وقعت بحبها"، كثيراً ما كرر والد ملالا هذه الجملة في لقاءاته الإعلامية وهو يصف اللحظة الأولى التي حمل هذه الطفلة بين يديه بتاريخ 12 يوليو من العام 1997، ونظر إلى عينيها اعترته فرحة كبيرة على عكس والده، جدّ ملالا التي قالت عنه في كتابها "أنا ملالا" لم يكن مسروراً ففي مجتمعاتهم يفضّلون الذكور على الإناث، في أرض تطلق الرصاص ابتهاجاً بمولد الذكور، أما البنات فيوارين عن الأنظار ويعد يوماً حزيناً ذلك الذي تولد فيه لأحدهم أنثى.
تقول ملالا عن ذلك في كتابها "عندما ولدت، أشفق الناس في قريتنا على أمي فيما لم يهنّئ أحد أبي".
لكن والدها كان مصمماً على إعطائها كل فرصة متاحة لصبي.
ووالدها هو من اختار لها اسم ملالا تيمناً بالبطلة الأفغانية "ملالاي مايواند" التي كانت مصدر إلهام للجيش الأفغاني الذي تمكن من هزيمة البريطانيين في عام 1880 في واحدة من معارك الحرب أنجلو الأفغانية الثانية.
في تلك المعركة توجهت ملالاي إلى ميدان المعركة رفقة نساء أخريات للعناية بالجرحى، كان الرجال يخسرون المعركة، وعندما رأت حامل الراية يسقط صريعاً، اقتحمت ميدان المعركة حتى أصبحت في طليعة المحاربين، لقيت ملالاي مصرعها وسط النيران وألهمت المحاربين الرجال فأحدثوا تحولاً كبيراً في مسار المعركة وانتصروا.
وقد شعر الأفغان بفخر كبير إزاء تضحيتها وأقاموا لها نصباً تذكارياً وسط كابول.
وقد اعتاد والد ملالا أن يردد على مسامعها قصيدة عن هذه البطلة يقول لها:
يا ملالاي مايواند
انهضي مرة أخرى كي تفهمي البشتون أغنية الشرف
فكلماتك الساحرة تجعل العالم يدور
أتوسل إليك، انهضي مرة أخرى
ربما لم يكن يتوقع حينها والدها أن طفلته ملالا ستنهض وبقوة، وتتردد جملها وعباراتها لاحقاً في كل أنحاء العالم.
"ملالا سوف تكون مثل طائر حرّ طليق"
ضياء الدين يوسفزي
يوميات ملالا السرية
عندما بلغت ملالا الحادية عشرة من عمرها بدأت التدوين باسم مستعار في موقع بي بي سي بالأردو.
أي قبل ثلاثة سنوات من تعرّضها لإطلاق نار!
كانت من خلال هذه المدونات تسرد تفاصيلاً عن الحياة تحت حكم طالبان الذين كانوا يرفضون ارتياد الفتيات للمدارس مع العلم أنّ والدها مدرس ويدير إحدى المدارس في قريتهم.
كتبت ملالا في إحدى تلك المدونات تحت عنوان "لدي حلم رهيب":
"حلمت أمس بحلم رهيب عن الطائرات العمودية وطالبان، بدأت تراودني مثل هذه الأحلام منذ بدء العملية العسكرية في سوات. أعدت لي أمي الإفطار وذهبت إلى المدرسة، كنت خائفة من الذهاب إلى المدرسة لأن طالبان أصدرت مرسوماً يمنع جميع الفتيات من الالتحاق بالمدارس".
وتتابع في مدونة نشرتها بتاريخ لاحق:
اليوم: آخر يوم قبل دخول مرسوم طالبان حيز التنفيذ، كنت وصديقتي نناقش الواجبات المدرسية وكأن شيئاً لن يحدث، أخبرنا والدي أن الحكومة ستحمي مدارسنا، كما أثار رئيس الوزراء هذه القضية. كنت سعيدة جداً في البداية، لكنني الآن أعلم أن هذا لن يحل مشكلتنا، هنا في سوات نسمع كل يوم عن مقتل العديد من الجنود واختطاف العديد منهم في كذا وكذا. لكن الشرطة لا يمكن رؤيتها في أي مكان".
لم تكن حينها ملالا تعلم أن الأسوأ لم يأت بعد!
رصاصة طالبان
9. أكتوبر. 2012
لم تكتف ملالا بنشر مدونات تحت اسم مستعار، بل خرجت علانية في مناسبات مختلفة وتحدثت نيابة عن الفتيات وحقهن في التعلم، "وهذا ما جعلني هدفاً" تقول ملالا على موقع منظمة Malala Fund.
تتابع، "في أكتوبر.2012، في طريقي إلى المنزل من المدرسة، استقل مسلح مقنع حافلة مدرستي وسأل: "من هي ملالا؟" أطلق النار على الجانب الأيسر من رأسي.
استيقظت بعد 10 أيام في مستشفى في برمنغهام بإنجلترا. أخبرني الأطباء والممرضات عن الهجوم، وأن الناس في جميع أنحاء العالم كانوا يصلون من أجل شفائي.
بعد أشهر من العمليات الجراحية وإعادة التأهيل، انضممت ملالا إلى عائلتها في منزلهم الجديد في المملكة المتحدة.
حينها "عرفت أنني أمام خيار يمكنني أن أعيش حياة هادئة أو يمكنني الاستفادة القصوى من هذه الحياة الجديدة التي أتيحت لي. لقد عقدت العزم على مواصلة معركتي حتى تتمكن كل فتاة من الذهاب إلى المدرسة" تقول ملالا.
وهذا ما حصل، قامت ملالا بتأسيس Malala Fund وهي مؤسسة خيرية مخصصة لمنح كل فتاة فرصة لتحقيق مستقبل تختاره.
وأصدرت كتاب "أنا ملالا" بالاشتراك مع الصحافية كريستينا لامب تحدثت فيه عن حياتها في الباكستان وتفاصيلاً عن والدها الذي آمن بحق الفتيات بالتعليم ودوره الكبير لم وصلت إليه ملالا اليوم.
ولم تكتف بإصدار هذا الكتاب، فقد أصدرت لاحقاً كتابا بعنوان “نحن نازحون: رحلتي وقصص فتيات لاجئات حول العالم We Are Displaced: My Journey and Stories from Refugee Girls Around the World”.
تقول عن هذا الكتاب "لقد سمع الناس قصتي بالفعل، أعتقد أن الوقت قد حان لكي يستمع الناس إلى قصص الفتيات الأخريات أيضاً".
فالكتاب يضم قصصاً مروعة ومفجعة وملهمة عن حياة الفتيات اللواتي قابلتهن ملالا في رحلاتها إلى مخيمات اللاجئين في مختلف أنحاء العالم.
"إذا كان بإمكان رجل واحد تدمير كل شيء ، فلماذا لا تستطيع فتاة واحدة تغييره؟" ملالا
أصغر حائزة على جائزة نوبل للسلام
في 12 يوليو 2013 وفي عيد ميلاد ملالا الـ16، كان أول حطاب علني لملالا بعد الحادث الذي تعرضت له، وأطلقت الأمم المتحدة على هذا اليوم اسم "يوم ملالا".
حينها قالت ملالا "اِعتقد الإِرهابيُّون بأنّهم سيغيِّرون أهدافي وبأنّهُم سَيوقِفونَ طموحاتي، لكنَّ لا شيء تغير في حيَّاتي إلا هذا: الضعف والخوف واليأس ماتوا. وولِدَت القُوَّةُ والطَّاقَةُ والشَّجاعة... لَستُ ضِدَّ أي شخصٍ، ولست موجودةً هُنا للحَديثِ عن اِنتقام شخصي ضِدَّ طالبان (باكستان) أو أيُّ جماعةٍ إرهابيَّة أُخرى. أنا هُنا للتحدث عن حقّ التَّعليم لكل طفلٍ. أريد أن يحصل أبناء وبنات طالبان (باكستان) والإرهابيين جميعهم على التعليم".
في 10 أكتوبر 2014 أُعلن عن فوز ملالا يوسفزي بجائزة نوبل للسلام لسنة 2014، لكفاحها من أجل حصول الفتيات على حقهم بالتعليم. واعتُبرت أصغر حاصِّلة على جائزة نوبل في العالم، حيثُ كانت تبلغ من العمر 17 عاماً.
وكانت ملالا قد حصلت على الجائزة مناصفةً مع الناشط الهندي كايلاش ساتيارثي لدفاعه عن حقوق الطفل.
وتعتبر ثاني شخصية باكستانية تحصل على جائزة نوبل، بعد عالم الفيزياء محمد عبد السلام الذي حصل سنة 1979 على جائزة نوبل للفيزياء.
لكنها الباكستانية الوحيدة التي فازت بجائزة نوبل للسلام.