محنة الأطفال الأيزيديين ضحايا تنظيم "الدولة الإسلامية"

أجرت التقرير منظمة العفو الدولية

"لن أنسى ما حييت ما حصل لي. إنه جزء مني، كما الندبة التي تبقى إلى الأبد. إنه أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي إنسان، وأشدها إهانة. وعندما عدت لم يقدم لي أحد أي دعم ولم يمد لي أحد يد العون. وما كنت أبحث عنه هو فقط شخص ما يهتم بي، ويُقدم لي شيئاً من الدعم، ويقول لي: ’أنا هنا من أجلك‘. شخص يربت على كتفي ويقول لي كل شيء سيكون على ما يرام ... هذا ما كنت أبحث عنه ولم أجده قط". ساهر جندي سابق لدى تنظيم الدولة الإسلامية

ارتكبت جماعة مسلحة تطلق على نفسها اسم تنظيم "الدولة الإسلامية" جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بين عامي 2014 و2017 ضد المجتمع الأيزيدي في العراق.

وقد خلصت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة في 2015 إلى أن تنظيم "الدولة الإسلامية" ارتكب انتهاكات ضد الديانة الأيزيدية ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية؛ إذ اختطف الأطفال الأيزيديين، واستعبدهم، وعذبهم، وأرغمهم على القتال، واغتصبهم، وعرّضهم لانتهاكات شنيعة أخرى لحقوق الإنسان. وفي حين تعرّض آلاف الأطفال للقتل أو الاختطاف نجا المئات منهم، وعادوا إلى أسرهم في العراق. ومع ذلك لم تأذن عودتهم إلى ديارهم بنهاية معاناتهم.

فقد واجه هؤلاء الأطفال الضحايا تحديات ملموسة لدى عودتهم إلى عائلتهم ومجتمعهم؛ فغالباً ما تعرضت صحتهم الجسدية للوهن الشديد وعانى العديد منهم أمراضاً عقلية؛ فقد عجزوا أحياناً عن النطق أو حتى فهم اللهجة الكردية التي تتحدث بها عائلاتهم.

ولم يستطيع كثيرون منهم التسجيل مرة أخرى في المدارس بعد أن ضاعت عليهم عدة سنوات، ويواجهون عراقيل في الحصول على وثائق مدنية جديدة أو بدل فاقد، وهي ضرورية في العراق لممارسة الحقوق الأساسية والحصول على المزايا الرئيسية.

وبالمثل تواجه النساء الأيزيديات اللاتي اختطفهن تنظيم "الدولة الإسلامية" وأنجبن أطفالاً نتيجة العنف الجنسي – تحديات صعبة. وقد أرغمت عديدات منهن على الانفصال عن أطفالهن بفعل ضغوط دينية

واجتماعية، وهن يعشن حالة من الكرب النفسي الشديد.

مع العلم أن جميع الأطفال يتمتعون بموجب القانون الدولي بالحق في الصحة، والتعليم، والهوية القانونية، ووحدة الأسرة بدون تمييز.

ويحق للأطفال الذين يقعون ضحايا لانتهاكات بموجب قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي تعويضاً كاملاً. و ُيظهر بحث منظمة العفو الدولية أن سلطات الحكومة المركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان تتقاعسان عن أداء واجباتهما باحترام وضمان هذه الحقوق، وضمان تقديم تعويضات للأطفال الأيزيديين الضحايا، وسيظل هؤلاء الأطفال يواجهون إرث الجرائم التي ارتكبها تنظيم "الدولة الإسلامية" بدون الدعم الذي يحتاجونه والذي هو من حقهم إذا لم يحدث تغيير صارم في سياسة السلطات الوطنية وأولوياتها بمساعدة المجتمع الدولي.

إرث الإرهاب

تفاصيل بحث منظمة العفو الدولية

جرى البحث الخاص بهذا التقرير بين فبراير/شباط ويوليو/تموز 2020. وأجرى مندوبو منظمة العفو الدولية البحث الميداني في إقليم كردستان العراق بين 17 و27 فبراير/شباط 2020.

وأجرى المندوبون في أثناء هذه المهمة مقابلات مع عائلات تعيش في مخيمين للنازحين داخلياً وبجوارهما يقعان في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق. وأجري القسم المتبقي من البحث عبر مقابلات عن بعد باستخدام وسائل افتراضية.

وبالإجمال أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 29 ضحية وقعوا في أسر تنظيم "الدولة الإسلامية" عندما كانوا أطفالا، و25 فردا من أفراد العائلات التي تتولى رعاية الأطفال الضحايا، و69 شخصاً آخر بينهم موظفون في المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية، ومسؤولون من الأمم المتحدة، ومسؤولون حكوميون، وأطباء، وعلماء نفس، وأخصائيون ومعالجون نفسيون عالجوا أطفال أيزيديين ضحايا أسر تنظيم "الدولة الإسلامية" أو عملوا معهم، وصحفيون، وخبراء لديهم معرفة تخصصية بالمجتمع الأيزيدي، بالإضافة إلى أحد ممثّلي الرئيس الروحاني للديانة الأيزيدية بابا شيخ.

التحديات التي يواجهها الأطفال الضحايا

يعود العديد من الأطفال الضحايا إلى عائلاتهم بعد تعرضهم للتجويع، أو التعذيب، أو إرغامهم على تحمل العمليات القتالية، أو المشاركة فيها.

وفي حالات عديدة تترك هذه التجارب أثراً كبيراً في صحتهم. وفي حين يعود بعض الأطفال، وهم مصابين بأمراض قابلة للعلاج مثل فقر الدم أو الجرب، يعاني آخرون إصابات أو أمراضاً أو حالات مرضية موهنة طويلة الأمد. ونتيجة لانخراط الأطفال الذين جندهم قسراً تنظيم "الدولة الإسلامية" في القتال يرجح أن يعانوا بشكل خاص أمراضاً صحية وإعاقات جسدية خطيرة، مثل فقد أذرع أو سيقان خلال القتال. وتعاني الفتيات ضحايا الاغتصاب وغيره من ضروب العنف الجنسي مشاكل صحية فريدة من نوعها تشمل النواسير الناتجة عن الصدمات، والندب، وصعوبات في الحمل، أو أثناء الحمل، أو عند الولادة.

وقد قالت أغلبية الأطفال الضحايا ومقدمي الرعاية الذين أجريت مقابلات معهم، علاوة على العديد من العاملين في المجال الإنساني إن الاحتياجات الصحية للأطفال الضحايا لا تلبّى حاليا، لاسيما فيما يتعلق

بالحالات والإصابات الصحية الخطيرة طويلة الأمد.

وتعد حالة ريان الذي جنّده تنظيم "الدولة الإسلامية" قسراً في سن الخامسة عشرة حالة نموذجية. "كنت أحرس الخطوط الأمامية و قد أصبت بـ قذيفة مدفعية" يضيف "في ساقي اليمنى شظية كبيرة، في وتر ركبتي ... وهذه الشظية مغروزة في جسدي. لقد مضت ثلاث سنوات تقريباً على عودتي ولا يوجد أي شيء أي علاج".

ما برح الأطفال الضحايا الذين يعودون من الأسر يعانون صدمات مؤلمة يصعب تصورها؛ فقد قال كل واحد تقريباً من مقدمي الرعاية إن الصحة العقلية للطفل الضحية الذي تولوا رعايته قد تأثرت بالمدة التي أمضاها في الأسر.

ومع أن كل طفل له وضع فريد، لمس خبراء الصحة العقلية بعض الأنماط وتبين لهم أن أكثر الحالات الشائعة التي اختبرها الأطفال الأيزيديون الضحايا تشمل اضطراب ما بعد الصدمة، وحالة القلق، والاكتئاب.

وتشمل الأعراض والسلوكيات التي ُيبديها الأطفال الضحايا غالباً السلوك العدواني، والنشاط المفرط، واستحضار الماضي، والكوابيس المتكررة، والتبول اللاإرادي في الفراش، والانطواء الاجتماعي، والتقلبات المزاجية الحادة.

وقد تعرضت الفتيات الأيزيديات لطيف واسع من الانتهاكات في الأسر لدى تنظيم "الدولة الإسلامية" بما فيه العنف الجنسي. وأخبرت طبيبة – قدمت الرعاية الطبية لمئات الضحايا من النساء والفتيات الأيزيديات ا– منظمة العفو الدولية بأن تقريباً كل فتاة عالجتها بين سن التاسعة والسابعة عشرة تعرضت للاغتصاب

أو غيره من ضروب العنف الجنسي. ومع ذلك فإنه بحسب ما قال العاملون في المجال الإنساني وغيرهم من الخبراء فإن الخدمات والبرامج الحالية لضحايا العنف الجنسي قد أهملت بمعظمها الفتيات مركز ًة بدلاً من ذلك على النساء الضحايا. وقد أوصى هؤلاء الخبراء بالتأسيس العاجل لخدمات الصحة العقلية والدعم النفسي - الاجتماعي لتلبية حقوق هؤلاء الفتيات واحتياجاتهن المحددة. ويجب أن تكون هذه البرامج قابلة لمعالجة جميع الانتهاكات التي تعرضت لها الفتيات في الأسر.

ويواجه العديد من الأطفال الضحايا حواجز لغوية ملموسة عند عودتهم وهو ما يمكن أن يمنع إعادة دمجهم في عائلاتهم ومجتمعهم. وفي حين تم ّكن بعض الأطفال من المحافظة على التحدث بطلاقة باللهجة الكرمانجية الكردية الأكثر استخداماً بين أسرهم، يعجز أطفال آخرون عن التحدث أو حتى فهم اللهجة الكرمانجية الكردية عندما يعودون من الأسر. ويتحدث معظم هؤلاء الأطفال الآن اللغة العربية كلغة أساسية.

وقال العاملون في المجال الإنساني فضلاً عن الأطفال الضحايا ومقدمي الرعاية الذين أجريت مقابلات معهم بخصوص هذا التقرير إنه لا تتوفر موارد محددة لمساعدتهم على مواجهة هذه التحديات اللغوية والتغلب عليها.

ويواجه الأطفال الضحايا حواجز في تحصيل العلم. ومع أن العديد من الأطفال المهجرين في العراق يتعذر عليهم الحصول على التعليم، إلاّ أن الضحايا الأيزيديين يواجهون تحديات معينة، لأنهم أضاعوا في جميع الحالات سنة واحدة أو أكثر تقريباً من سنواتهم الدراسية خلال وجودهم في الأسر. وقد اتخذت السلطات الحكومية والمنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية خطوات لإعادة دمجهم في نظام التعليم بوضع برامج للتعلم السريع. بيد أن العديد من الأطفال الضحايا غير مسجلين في هذه البرامج، إما لأنهم لا يعلمون بوجودها وإما لأن هذه البرامج يتعذر الحصول عليها إلا بالتعامل مع مستويات مرهقة من البيروقراطية التي تنطوي على كم هائل من المعاملات الورقية، والحاجة إلى التواصل مع هيئات حكومية متعددة. ونتيجة لذلك يختار العديد من الأطفال الضحايا الخروج من نظام التعليم برمته.

ومع ذلك فإن الالتحاق بالمدارس ضروري - بحسب عدة خبراء في الصحة العقلية أجريت مقابلات معهم

بخصوص هذا التقرير - لمساعدة الأطفال الضحايا على التغلب على الصدمة النفسية التي يواجهوها جراء وقوعهم في الأسر. وقد أوضحت نهلا – وهي ضحية عمرها 16 سنة – أهمية المدرسة في عملية إعادة إدماجها: "عقب عودتي إلى المدرسة أصبحت الأمور أكثر طبيعية وشعرت بتحسن. فيحتاج المرء إلى المدرسة لضمان مستقبله".

التحديات التي يواجهها أفراد أسر الأطفال الضحايا

يواجه الآباء وأفراد الأسرة الآخرون الذين يقدمون الرعاية للأطفال الذين عادوا عقب وقوعهم في أسر تنظيم "الدولة الإسلامية" صعوبة في تلبية احتياجات هؤلاء الأطفال.

فالعديد من العائلات الأيزيدية باتت فقيرة و ُيعزى جزء من ذلك، في حالات عديدة، إلى أنهم أرغموا على دفع آلاف أو عشرات آلاف الدولارات كفدية لضمان الإفراج عن هؤلاء الأطفال وغيرهم من أفراد العائلة من الأسر لدى تنظيم "الدولة الإسلامية".

ولاحظ أيضاً العاملون في المجال الإنساني غياب برامج تثقيف الأهل وغيرهم من مقدمي الرعاية حول ما يمر به أطفالهم أو حول كيفية مساعدة أطفالهم على التكيّف عقب عودتهم من الأسر.

وفي ضوء التحديات العديدة التي يواجهها مقدمو الرعاية في إعادة دمج الأطفال الضحايا وتقديم الرعاية لهم، عبّر عدد منهم عن يأسهم من أوضاعهم. فمثلاً قالت أرزان إن ابنها البالغ من العمر 14 عاماً تنتابه نوبات غضب، ونشاط مفرط، وميول عدائية "في البداية كنت أحلم بعودته إلي. ثم لما عاد لم أتمكن من تناول وجبة طعام واحدة طبيعية معه، ولا قضاء لحظة طبيعية واحدة معه ... ولا يمكن أن يكون الوضع أسوأ من ذلك".

ويحتاج وضع النساء الأيزيديات اللواتي أنجبن أطفالاً نتيجة العنف الجنسي الذي مارسه أفراد تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى اهتمام عاجل من جانب سلطات البلاد والمجتمع الدولي؛ إذ إنه نتيجة سياسات تنظيم "الدولة الإسلامية" في الاغتصاب والعبودية الجنسية الممنهجين، أنجبت النساء الأيزيديات مئات الأطفال أثناء وجودهن في الأسر.

وبسبب عوامل عديدة من ضمنها موقف المجلس الروحاني الأيزيدي الأعلى والإطار القانوني القائم حالياً في العراق الذي يشترط وجوب أن ُيس َّجل أي طفل من أب مسلم أو "مجهول" كمسلم، ُحرم هؤلاء الأطفال بمعظمهم من مكان ضمن المجتمع الأيزيدي.

لذا اضطرت هؤلاء النساء إما إلى الاحتفاظ بأطفالهن لكن مع التخلي عن أسرهن ومجتمعهن، وإما التخلي عن أطفالهن لكن مع التئام شملهن مع أسرهن ومجتمعهن.

وتعاني العديدات من هؤلاء النساء أوضاعاً يائسة، ويواجهن في بعض الحالات كرباً نفسياَ شديداً عقب إرغامهن على الانفصال عن أطفالهن، وفي أوضاع أخرى يمكثن في مخيمات المهجرين داخلياً أو مع آسريهم في تنظيم "الدولة الإسلامية" لتجنب التخلي عن أطفالهن.

وقالت عدة نساء إنهن تعرضن للضغط والإكراه وحتى الخداع للتخلي عن أطفالهن وذلك من جانب أفراد عائلاتهن أو الأشخاص أو الجماعات التي تعمل على لم شمل النساء الأيزيديات وأطفالهن مع عائلاتهن. وقلن أيضاً إنه قدمت لهن تطمينات كاذبة بأنهن سيتمك ّن من زيارة أطفالهن أو البقاء معهم في مرحلة لاحقة.

تقول حنان وهي ضحية وقعت في أسر تنظيم "الدولة الإسلامية" لقد"كان عمي يعدني بشرفه وكرامته بأنني سأستطيع زيارة ابنتي كلما أردت ذلك. فذهبت إلى دار الأيتام لتركها هناك. وعندما غادرت صرخت في وجوههم ’لا تعطوا ابنتي لأي شخص كان. وسوف أعود كل أسبوع وكل شهر فهذا وضع مؤقت‘. وعندما قابلت عمي كانت الكلمات الأولى التي تفوه بها ’انس ابنتك‘".

وأخذت سناء – وهي ضحية وقعت في أسر تنظيم "الدولة الإسلامية" عمرها 22 عاما – ابنتها معها إلى مخيم للمهجرين داخلياً، لكنها أرغمت على التخلي عنها بعدما تلقت تهديدات متكررة بالقتل. وتقول:

"أخذتها إلى مكتب منظمة غير حكومية محلية وطلبوا مني ترك ابنتي ... وقالوا لي: ’سنكون أباً وأماً لها‘. وفي تلك اللحظة شعرت كما لو أن عمودي الفقري قد انكسر. وانهار جسدي بأكمله".

وقال عدد من النساء اللواتي أجريت مقابلات معهن إنهن حاولن الانتحار. وقد حاولت بعضهن أن يفعلن ذلك أكثر من مرة، وتوسلن جميعهن للمجتمع الدولي والسلطات الوطنية للتصرف بسرعة، لأنهن وجدن أن أوضاعهن الراهنة لا تُحتمل.

وقد أبلغت جنان وهي ضحية وقعت في أسر تنظيم "الدولة الإسلامية" عمرها 22 عاما منظمة العفو الدولية بالقول: "أريد أن أقول لمجتمعي ولكل شخص في العالم:

أرجوكم اقبلونا واقبلوا أطفالنا. فنحن ضحايا تنظيم "الدولة الإسلامية". فتخيلوا الألم الذي عانيناه...أنا لم أرد إنجاب طفل من هؤلاء الناس. فقد أجبرت على إنجاب ابن. ولن أطلب أبداً أن ُيجمع شملي بوالده، لكنني أحتاج إلى أن ُيجمع شملي بابني..