أن يمتلك الأطفال ألعاباً!

فسحة تمحو بعضاً من كآبة مخيمات اللاجئين

سواء كان طفلاً أم طفلة سورية، ولا تتعدى سنوات عمره العاشرة فلا شك أنه ولد في زمن الحرب، ولا يتمتع بالكثير من مباهج الطفولة ولا بألعابها.

 حينها سيكون جزء من أحلامه التوجه إلى الملاهي ذات الأضواء المبهرة والساطعة، وربما يعتبر لعب مباراة كرة قدم مع رفاق المدرسة بملعب الحي ذو العشب الأخضر نوعاً من الترف!

في الحقيقة فإن مجرد امتلاك طابة/ كرة مملوءة هواء كما يجب أو دمية جميلة يعتبر من الكماليات في مخيمات نزح إليها قرابة المليوني طفل، وحتما يعتبر باقي الأطفال ممن لا يمتلكون أي نوع من أنواع الألعاب أن هذا الطفل "محظوظ" ، ولا شك أنهم سيتوددون إليه ليتشاركوا اللعب.

فداخل خيام صغيرة بمخيم للنازحين، قد لا تحتوي حتى على الأساسيات تظل ألعاب الأطفال ترفاً قد لا يحصل عليه الجميع.

وإلى تلك المخيمات سنصطحبك في هذا التقرير

دراجة هوائية.. لعبة الأحلام

علي

علي

علي

علي

علي

علي

" أتمنى أن أمتلك "بيسيكليت/ دراجة هوائية"، إلا أنني لا أملك النقود الكافية لاقتنائها، إنها لُعبتي المفضلة"، يقول علي بخجل باد وبابتسامة عريضة.

يلتفت بين حين وآخر إلى أطفال بجانبه يشتتون انتباهه، إلا أن نظراته تعود دائما للُعبَتين أمامه عبارة عن سيارة وكرة، لم يقم باقتنائها بل أُهدِيتا له من طرف من أسماهم " أهل الخير".


ورغم كون الكرة فارغة من الهواء لا يزال علي طامعا بدحرجتها وضربها بقوة، فيما لا يتوانى عن افتراش الأرض وتحريك سيارته جيئة وذهاباً.

علي البالغ من العمر 10 سنوات، ينتظر أن يتحقق حلم امتلاكه لدراجة بصبر فارغ، ويطمح أن يصير غنياً مستقبلاً وغايته مساعدة اليتامى والفقراء، ولم لا اقتناء ألعاب جميلة للأطفال.


لعبة وحيدة هل تكفي؟

وفق تقرير رسمي لـ "اليونيسيف"، فقد تضاعف عدد الأطفال الذين ظهرت عليهم أعراض الضيق النفسي والاجتماعي في عام 2020، موضحة أن التعرض المستمر للعنف والخوف الشديد والصدمات له تأثير كبير على الصحة النفسية للأطفال، مع ما يترتب عليها من آثار قصيرة وطويلة الأمد.

ولعل اللعب يعمل على إصلاح ما أفسدته الحرب وتداعياتها على نفسية الأطفال السوريين، وزيادة ثقتهم بأنفسهم وتقديرهم لذواتهم، وتحسين صحتهم الجسدية والعقلية، وتطوير مهارات جديد وتعلم المشاركة وتعزيز الخيال والإبداع والاستقلالية.

بالنسبة لنسرين، ذات العينين الخضراوين الصافيتين، واسعتان وسع العالم كله وتحلمان بركوب فرس ما، والمرح رفقة صديقتيها المقربتين حليمة وبتول حول خيام المخيم، فلا تمتلك سوى سيارة وحيدة فقط، باللونين الزهري والأزرق.

"أحبها لأني لا أمتلك سواها، صحيح أني كنت أمتلك ألعابا كثيرة سابقاً إلا أنها ضاعت كلها" تحكي الطفلة لـ "tiny hand".

تمرر نسرين الجميلة البالغة من العمر 10 سنوات، عجلات سيارتها على أرض الخيمة المتربة وتلهو بها بمرح، من يدري؟ لعلها تتخيل أنها تملك سيارة حقيقية تقودها بفرح ونشوة.

"تُقدِّر اليونيسف أن أكثر من 300 ألف شخص نزحوا منذ ديسمبر/كانون الأول، وأن 1.2 مليون طفل في حاجة ماسة للمساعدة"

ليس الجميع محظوظاً لامتلاك لعبة

هذا عبسي، يعيش في مخيم الأزرق شمالي مدينة إدلب، والذي نزح رفقة عائلته قبل سنتين، فلم يكن محظوظا كفاية لامتلاك لعبة، ولا أي لعبة.

جالساً على صخرة أمام خيمة يقول الطفل الصغير صاحب العينين التي تعلوها نظرة حزينة،" لا أملك أية واحدة، وأتمنى أن أحظى بألعاب كثيرة، سيارات ومسدسات وكرة..".

الصغير ذو العشر سنوات، يستعيض عن الألعاب التي يتمنى امتلاكها بمرافقة الصبية من أصدقائه وعلى رأسهم عبد الحليم وعباس ومصطفى.

 يقضي عبسي وقت لعب ممتع بساحة المخيم ويشارك أصدقاءه بلعب مباريات كرة القدم أو بناء بيوت طينية، وفي أسوأ الأحوال رصِّ حجارة صغيرة بيضاء بجانب بعضها لتكوين شكل هندسي.

"كثيرون يعيشون في العراء في أماكن مثل المتنزهات ووسط الأمطار الغزيرة والبرد القارس" اليونيسيف

دميتي الشقراء.. لعبتي وصديقتي

تستغرق في اللعب بدميتها العزيزة، تحاول تهذيب شعرها الأشقر الطويل وترتيب فستانها زهري اللون، إنها لعبتها المفضلة وترافقها إلى كل مكان في مخيم الأزرق.

" المنظمة أعطتني هذه الدمية وهي المفضلة لدي"، تقول زهية، ذات الـ 7 سنوات، متابعة بفخر من يمتلك كنزا أن بحوزتها أيضا "دبدوبا" وسيارة هدية من والدها.

هذه الصغيرة التي تحلم بأن تصير مُدرسة، تقضي الوقت في اللعب وحيدة أو رفقة أخيها الأصغر رغم أنها  تعتبره مشاغبا، تحكي حينا ثم تعود لمداعبة الدمية والاعتناء بها.

Item 1 of 3

أن أمتلك أكثر من لعبة.. إنه ترف!

تبدو بشيرة منتشية بغنيمتها التي رصتها بعناية أمامها.

جالسة أمام خيمتها تنظر بهدوء إلى ألعابها، فهي في نظر باقي الأطفال محظوظة بامتلاك دميتان جميلتان بملابس زاهية إحداهن تعتمر قبعة وتجلس في عربة أطفال.

الطفلة البالغة من العمر 11 سنة، تملك حاسوباً تعليمياً يمكنه النطق بالحروف العربية والانجليزية وترديد أدعية دينية، لكن لا نعرف إن كانت الطفلة بإمكانها شراء بطاريات لتشغيله؟

ألعاب بشيرة متنوعة منها دراجة وكرات صغيرة وتاج وألعاب أخرى صغيرة الحجم.

تقول الطفلة البالغة من العمر 11 سنة، إنها اشترت هذه الألعاب في الضيعة، وحافظت عليها عند نزوحها رفقة عائلتها، وتبقى أكثر لعبة تحبها بشيرة الدميتان لأنهما شقراواتان وجميلتان وفق تعبيرها لـ "tiny hand".

Item 1 of 3

ألعاب أختي .. ألعابي

متأبّطا لعبتين واحدة يمينا والثانية شمالا، يتحدث عن حبه لألعاب شقيقته الأصغر سنا، والتي يلعب بها بدوره، ففي المخيمات يمكن أن يتم مشاركة الملابس والغطاء كما الألعاب.

يتذكر أحمد البالغ من العمر 9 سنوات بحسرة، "دبدوبه" الكبير الذي ضاع منه، وهو يرص دباديبه الأصغر حجما المتراوحة ألوانها بين الأزرق والأحمر والبني، إلى جانب دمية وسيارة خضراء.

عند سؤال أحمد عن اللعبة التي يرغب بامتلاكها، ابتسم ابتسامة عريضة وجاب بمقلتيه يمنة ويسرة قبل أن يجيب، أريد سيارة إلا أن المفضلة هي الدراجة، أرغب بدراجة هوائية ولا أستطيع شراءها.

فضاءات اللعب وطرق الاستمتاع بالشغب الطفولي الجميل لا تتوقف عند أحمد وشقيقه وابن عمه وصديقه، فبعد عودتهم من المدرسة إلى المخيم الذي يؤوي عشرات العائلات النازحة، يتوجهون للعب بالطين والحجارة وقد يستعينون ببعض قطع الخشب يكونون منها صبيانا ويبنون بيوتا بغرف وطابق أو اثنين.

لحظات اللعب واللهو والمرح والضحكات البريئة والصافية المنبعثة من بين خيام النازحين وعلى جنبات المخيم، لا تنفي حقيقة الصعوبات التي يواجهها الأطفال السوريون خلال عشر سنوات الماضية على مستوى التعليم والسكن والمستوى المعيشي.

وبلغ عدد الأطفال الذين ولدوا منذ بداية الحرب في سوريا نحو 6 ملايين طفل، فيما وصل عدد النازحين منهم في الداخل السوري إلى نحو 2.6 مليون طفل.



وفق "اليونيسيف"، فإن حوالي 2.45 مليون طفل في سوريا و750 ألف طفل سوري إضافي في الدول المجاورة لا يذهبون إلى المدرسة. 40 في المائة منهم من الفتيات، كما يعانون من سوء التغذية والتقزم والصدمات النفسية والقلق والتوتر، إلا أنهم وبالرغم من التحديات الهائلة التي يواجهونها فإنهم يظهرون معنى العزيمة والمثابرة والتشبث بالأمل في حياة أفضل.