اصنع عالمك الجميل بنفسك وشاركه مع الأطفال!

القصة الملهمة للفنانة والكاتبة السورية "جلنار حاجو"

هديل عرجة

في عالم "جلنار حاجو" الجميل ستصادف شخصيات تشبهك وبالمعنى الأدق تشبه الطفل الذي لا زال يعيش داخلك، قد تختلف الأسماء والأشكال ولكن بالتأكيد ستجد نفسك خلال هذه الجولة.

هذا العالم الذي صنعته جلنار الفنانة والكاتبة السورية بريشتها وقلمها، كفيل بأن يحرّك الطفل داخلك، وليس ذلك فقط بل ستطرح على نفسك السؤال لماذا لا أرجع طفلاً وأفكر مثل الأطفال.

سوف ترغب بذلك لأنك ستكتشف بعد إنهاء كل كتاب من كتبها أن ذلك الطفل لديه قدرة على اكتشاف حقيقة الحياة، تلك الحقيقة التي قد نسهو عنها كلما تقدم العمر بنا، السعادة الحقيقية وكيف نحصل عليها.

عن عالم الكتب المميز وأدب الطفل مع جلنار حاجو من سوريا.

ألوان وقلم والكثير من الصدق

"حكاية نقطة على دفتر أبيض"

هل تمتلك القدرة على التعبير عن شغفك بما تقوم ب "نقطة"؟!، هذا باختصار ما قامت به الفنانة والكاتبة جلنار في إحدى كتبها الذي يحمل اسم "حكاية نقطة على دفتر أبيض"، المذهل في هذه القصة القدرة على تكوين حكاية متكاملة العناصر من "نقطة".

جلنار لم تكتف بكتابة القصة بل أرفقت معها رسومات ما أضفى عليها جمالية وعمقاً، وهذا هو حال أغلب الكتب التي عملت عليها الشابة السورية.

فجلنار التي تخرجت من كلية الفنون الجميلة بدمشق وتخصصت لاحقاً بأدب الأطفال، في رصيدها الكثير من الكتب والرسومات عن الأطفال والموجهة لهم،  وهي تؤمن بأن "الصدق" هو السبب وراء وصول هذه الكتب إلى قلوب وعقول الأطفال.

تقول لـ" Tiny Hand" كلما "كنت صادقاً فيما تقوم به، سواء بالكتابة أو الرسم سيصل ذلك بسرعة إلى الطفل".

تضيف "أنا أحترم عين الطفل فهو ليس كائن ساذج، بل على العكس يصعب إقناعه فهو يدرك الفن تمام الإدراك وهو قادر على فهم العناوين المختلفة وقادر على التفاعل معها".

فرسوم الطفل ليست بالأمر السهل، وتتطلب من الرسام أن يحترم مخيلة الطفل

 ويضيف بعض الخيال إلى المادة المكتوبة، دون أن تضر بالنص المكتوب مراعياً وجود العناصر الفنية الصحيحة". "الطفل العربي مختلف عن الطفل الغربي، الذي يعتبر قارئاً بالنسبة للإمكانيات المقدمة له، ولكن هذا لا يعني أبداً تقديم مستوى فني أقل للطفل العربي".

إنها قصة نقطة سئمت الوقوف في مكانها لوقت طويل دون أن تفعل شيئاً وعندما تحركت مرّت بالكثير من المغامرات المفيدة والشيقة. "من كتاب حكاية نقطة على دفتر أبيض" وهو متوفر باللغات العربية، التركية، الانكليزية، السويدية، الإسبانية.

الرسم والكتابة بعد الحرب السورية

لا للمشاكل اليومية!

قبل 9 سنوات وضبت جلنار أقلامها وألوانها وأوجاع أطفال سوريا وغادرت مع عائلتها دمشق بسبب الحرب، وفي كل محطة من محطات اللجوء التي أوصلتها إلى هولندا، كان لها لقاء وورشات مع الأطفال اللاجئين.

ربما تختصر هذه الرسمة حال الأطفال الذين قابلتهم جلنار، الكثير من الأفكار التي تتصارع في رؤوسهم، الخوف من القصف، فجيعة خسارة أشخاص يحبونهم، الحنين لمنازلهم ومدارسهم  والكثير من الأمور التي أثرت على أحوالهم النفسية.

"هذه الرسمة تلخص معاناة الطفل مما تعرّض له من قصف ولجوء وعمالة بعمر صغير" تقول جلنار.

ولمساعدة هؤلاء الأطفال أقامت جلنار الكثير من الورشات مع الأطفال وبشكل خاص عندما كانت في تركيا حيث التقت بأطفال يعانون من مشاكل نفسية سيئة للغاية، استطاعوا من خلال الفن والقراءة للخروج نوعاً من تلك المشاكل ومدّتهم بطاقة ساعدتهم على تحمّل الظروف التي يمرون بها.

"باختصار من خلال القراءة استطاع الأطفال التعامل مع الواقع الصعب وزادت ثقتهم بأنفسهم ومدّتهم بالفرح والسعادة والتفاؤل".

استمرت جلنار بعقد ورشات للأطفال اللاجئين بعدما انتقلت إلى هولندا.

تقول جلنار "لقد تأثرت بشكل كبير لحال الطفل السوري، وانعكس ذلك على طريقة تفكيري وحرصت على إضافة المزيد من الألوان على كتبي ورسوماتي".

فعلى الرغم من أن هذه الكاتبة أخذت على عاتقها قبل الحرب تسليط الضوء على المشاكل والقضايا التي يواجهها الأطفال ومشاكلهم اليومية، إلا أنها شعرت أن الطفل بعد اندلاع الحرب "ليس بحاجة لمن يذكره بمشاكله، بل على العكس هو بحاجة للألوان والخيال كي يشعر أنه لا يزال طفلاً طبيعياً لا يعاني من ظروف خاصة".

وذلك بالفعل ما لمسته جلنار من خلال القراءة حيث يشعر الطفل أنه يعيش حياة طبيعية وبالتالي يخرج من الحالة الصعبة التي يمرّ بها.

قالت تلك الطفلة في المخيم :أمسكتُ بيدي الصغيرة المقبض وأغلقت باب غرفتي ..سأنام في سريري الملون ..لكن باب غرفتي كان قطعة قماش بيضاء ..سريري أصبح قطعاً صغيرة ..لكلٍ واحد قطعة صغيرة..بحثت عن القطع الملونة ولم أجدها ..حتى مرّ طيف لمحته رغم بعده عني ..رأيت فيه كل ألواني ..لكنها سبقتني ..لم تنتظرني..من كتاب "ألوان ناقصة"

حنين وذكريات في 3 دول

ألوان ناقصة

جلنار هي أيضاً لاجئة ولكن قبل ذلك هي أم لابنتين، عاشت معهما رحلة اللجوء بتفاصيلها الصعبة تنقلوا بين 3 دول، تاركين خلفهم في كل دولة ذكريات تزيد من ثقل رحلة اللجوء عليهم.

لكن كل ذلك كان هيّناً بحسب وصف جلنار لأنها تعتبر أن الحنين هو أقلّ الأوجاع التي من الممكن أن يواجهها السوري اليوم فكثيرون فقدوا عزيزاً وقريباً وصديقاً.

ولكن كان أكثر ما يحزّ في نفسها ما يواجهه الأطفال الذين شردتهم الحرب واضطروا إلى العمل أو العيش في المخيمات، فتحدثت عن آلامهم وأحلامهم في كتابها "ألوان ناقصة".

تقول في مقدمة الكتاب:

"عندما تكون في نزهة في بلد يوجد فيه أطفال مشردون يفترشون الشوارع، انظر جيدًا في وجوههم الصغيرة وهم يُلمعون الأحذية على الأرصفة، وينظفون السيارات، ويبيعون العلكة.  ثم استمع إلى أحلامهم كلَّما نظروا إلى السماء بحثًا عن الشمس! هل ما يحلم به هؤلاء الأطفال مستحيل؟ هل يصعُبُ علينا أن نساعدهم؟ ستجد أن َّأحلامهم بسيطة للغاية وأنَّ سعادتهم تتمثل فقط في سماء زرقاء ونسيم عليل."

وكعادتها جلنار في كلّ كتبها ترسل من خلال كلماتها رسائل أمل، تماماً كرأيها بالأطفال في المخيمات عندما سألناها عن مصيرهم، تقول لـ"Tiny Hand" إنهم "يملكون إرادة خارقة ويتمتعون بروح إيجابية كبيرة، رغم كل الأوضاع الصعبة التي يواجهونها من عمالة والعيش في أماكن سيئة".

تقول "هم بحاجة إلى كل أنواع المساعدة فهم يستحقون أن يعيشوا الحياة الطبيعية".

كل الأطفال يحبّون القراءة

"طفلي لا يحب القراءة" تعتبر جلنار هذه العبارة من أكثر العبارات "مغلوطة"، وتبرر ذلك أن في عالمنا العربي هناك نوع من "قلة التقدير لقيمة القصة والكتاب".

وخاصة أن الكتاب هو مفتاح وطريقة مثالية لكل طفل كي يبدع ما ينعكس على حياته ويعزز ثقته بنفسه.

 وهذا الأمر الذي لمسته جلنار من خلال تجاربها مع الأطفال هم فقط "بحاجة إلى مساحة للتعبير والإبداع وهذا ما تقدّمه القصص لهم".

نصيحتي لكل الأهالي:

باشروا بقراءة القصص لأطفالكم من عمر الستة شهور، لا تقرروا أنهم لا يحبون القراءة ويفضلون تمضية أوقاتهم على الأجهزة الالكترونية "الآيباد، الموبايل".

الأمر يحتاج إلى مبادرة منكم، فالطفل لن يقع بحب القراءة فجأة!

يجب أن تتفاعلوا معه وأن تبذلوا جهداً، تمضية 10 دقائق كل يوم في القراءة ستؤثر بشكل كبير.

الأمر الآخر تختلف نوعية الكتب بحسب أعمارهم، يمكنني إيجازها على الشكل التالي:

اختاروا من أجل الأطفال بين عمر 3 حتى 5 سنوات الكتب ذات الألوان والخطوط الواضحة فجودة الصورة لا تقل عن جودة النص بالنسبة للطفل، واختاروا الكتب التي تتحدث عن قصص واقعية، فالطفل في هذا العمر يفضل القصص الواقعية عن الخيالية.

وكلما تقدم الطفل بالعمر كان بإمكانكم انتقاء كتب أكثر خيالية وفنية.

وفي نهاية الأمر أنصح باختيار الكتب التي تمسّ حياة الأطفال وتساعدهم على حل المشاكل التي يواجهونها.

من هنا بإمكانكم التجول بين الكتب التي ألفتها الكاتبة جلنار:

http://bright-fingers.com/books/

واللافت بما تقوم به جلنار إصدارها كتاب زينة وعزيز وهو كتاب أون لاين مرفق مع ألعاب ويعتبر ذلك وسيلة لتشجيع الطفل أكثر على القراءة.

هذه أنا... قصة حلم

جلنار الطفلة

اللافت في القصص التي تكتبها جلنار أنها تجذب الكبار أيضاً، فهي تستخدم لغة سلسة في التعبير عن أفكارها إضافة إلى أنها مستوحاة من تجاربها في الحياة أو من تجارب أطفال صادفتهم ما يجعل كل ما تقدّمه في كتابها مزيجاً يشبه حياة كل منا في جانب معين.

ولكتاب "قصة حلم" مكانة خاصة في قلب الكاتبة، معتبرة أن الشخصية الرئيسية في القصة هي من أكثر الشخصيات التي تشبهها.

تقول جلنار "القصة تتحدث عن طفلة صغيرة تمتلك موهبة الرسم، وفي الوقت نفسه تحب لعبة باربي و تتمنى أن تكون هي بحد ذاتها باربي لدرجة أنها تحوّلت لاحقاً إلى اللعبة باربي ولكن ذلك أفقدها قدراتها بالرسم ومواهبها التي كانت تتمتع بها سابقاً، وتنتهي القصة عندما تستيقظ الطفلة على صوت والدتها لتكتشف أنها لم تتحول إلى باربي وأن ذلك كان مجرد حلم!".

وهنا توضح جلنار أهمية أن تحبّ كل طفلة نفسها حتى وإن لم تكن تشبه باربي، لأن كل طفلة لديها موهبتها ومواصفاتها التي تميزها.

وتختتم بقولها "هذه القصة تشبهني كتبتها من وحي تجربتي مع ابنتي".

تعمل اليوم جلنار على كتابين جديدين، الأول بعنوان "لقد أخطأت" يتحدث عن طفل لم يدرس للفحص ثم غشّ للنجاح وتتناول فيه الصراع الذي يمرّ به الطفل وصولاً إلى اعترافه بخطئه لأستاذه الذي سامحه لصراحته.

 والكتاب الثاني بعنوان "عندما أخاف" والذي يتناول مشاعر الخوف عند الطفل ويساعده على معالجتها.

وقد نالت جلنار عدداً من الجوائز عن كتبها ورسوماتها وهي:

جائزة اتصالات لأدب الطفل لعام 2015 كأفضل رسوم لكتاب "نور تهرب من القصة".

جائزة الشارقة لكتاب الأطفال عن أفضل كتاب في الفئة العمرية 6-8 سنوات لكتابها "أنا وأنا ثقيل الوزن".

جائزة على أفضل نص من مؤسسة السويدية آنا ليندا السويدية للعام 2009 عن قصتي "عندما أغضب، عندما أحزن".

وقد زادت تلك الجوائز من عزيمتها لمتابعة تحقيق حلمها بأن تنشر كتبها بكل لغات العالم، مع العلم أن عدداً منها ترجم إلى الانكليزية والسويدية والتركية والإسبانية.

وهي تتابع في تحقيق حلمها إلى جانب زوجها من خلال دار النشر التي أسساها وتحمل اسم bright finger publishing house

"كل شخص منّا بإمكانه التأثير على الأطفال، لذلك لا تترددوا ولا تعتبروا أن ما تقومون به أمر صغير أو بسيط لأن كل تلك الخطوات ستؤثر في الطفل وتساعده، لا تقللوا من قيمة المحاولات الصغيرة" جلنار