الخيمة "الكارثة" التي حلت في حياة نازحي غزة
دائرة مميتة تهدد أكثر من 1.1 مليون طفل
في جنوب قطاع غزة، وليس بعيدًا عن منازلهم وذكرياتهم، يعيش النازحون حياةً لا تشبه حياتهم قبل 7 أكتوبر داخل خيام مؤقتة فرضتها الحرب على غزة.
تتجمع حوالي 775 عائلة في مخيم الملعب البلدي، الواقع في الحي الياباني غربي رفح، وهو واحد من بين العديد من المخيمات التي نشأت لتوفير مأوى للنازحين.
في معظم الخيام التي زرناها، يتجاوز عدد أفراد الخيمة الواحدة غالبًا تسعة أشخاص، وتصل في بعض الحالات إلى عشرين شخصاً تماماً كما في خيمة نورهان ياسين، البالغة من العمر 22 عامًا، حيث تعيش اليوم مع طفليها وعائلات زوجها.
لقد مرّ على نورهان شهر في هذا المخيم، لم تصل إليه إلا بأعجوبة بعد أن تعرضت للقصف أثناء تواجدها في منطقة المعمداني. من هناك، فرّت باتجاه رفح، وتشارك معنا تجربتها قائلة: "رأيت الموت بأم عيني".
ومع ذلك، ما تواجهه اليوم عائلة نورهان في هذه الخيمة لا يقل تحديًا عما مرت به، فكلما ألقى الليل ظلاله، بدأت رحلة النوم على أرض باردة، حيث لا يفصلهم عنها سوى بطانيات خفيفة صيفية. استغنت العائلة عن فرشتين تم تسليمهما لهم لصالح والدي زوجها، حيث يصعب على كبار السن النوم على الأرض، كما تشير نورهان.
وفيما يمضي البقية من أفراد العائلة لياليهم الباردة على الأرض، تعبّر نورهان عن قلقها، "ابنتي وابني مريضان ولم يشفوا من هذا الجو البارد".
برودة الجو وقلة المياه أدتا إلى عدم استحمام طفلي نورهان لفترة طويلة، كما توضح قائلة: "الحمامات بعيدة جدًا عن مكان خيمتنا، لذلك اكتفيت بمسحهما بقطعة قماش".
في محاولة لتأمين احتياجات أطفالها، طلبت نورهان المساعدة، إلا أن الرد الوحيد الذي حصلت عليه كان "لا نستطيع تأمين أي شيء لهم"، وخاصة أنها تعتبر تأمين الحليب لأطفالها هاجسًا يتربص بها يوميًا، وهذا الهم يتكرر لدى الآلاف من الأمهات اللواتي يعشن ظروفًا مماثلة. ويأتي كل ذلك في ظل تحذيرات منظمة اليونيسيف من التدهور المستمر في وضع التغذية لأكثر من 135 ألف طفل دون سن الثانية.
أموالنا قد نفدت، ولم نستلم أي سلة غذائية منذ مدة
لا تكاد تفصل بين الخيمة والخيمة إلا بضعة أمتار حيث تمتد حبال الغسيل بينها، حاملة ملابس سكانها في محاولة تجفيفها بعد غسلها. يتحول هذا الحبل إلى جزء أساسي من حياة النازحين، ومن ضمنهم عائلة سليمان محمد الشمالي، الذي لا يملك كل فرد فيها سوى قطعة ملابس واحدة.
فالفلسطيني البالغ من العمر 67 عاماً غادر مع عائلته منزله في خان يونس بعد تعرضه للقصف، قطعوا مسافة 5 كيلومتراً مشياً على الأقدام، وانتهى بهم المطاف هنا في هذا المخيم.
يعيش حاليا 11 شخصًا داخل خيمة سليمان، حيث تتكون الخيمة من 3 عائلات مشتركة في مأوى واحد، وهذه الخيمة لم تتلقَ المساعدات منذ 18 يومًا، حسبما أخبرنا.
يقول سليمان: "هذه الخيمة هي أكبر كارثة وأكبر مصيبة حلت في حياتنا، لم نكن نتوقع أن يصل الحال بنا إلى هنا، النزوح داخل بلادنا". مر شهر على وجود سليمان هنا، واجه خلاله تحديات كبيرة، حيث ارتفع سعر كل شيء وأصبحت أساسيات الحياة غير متاحة بسهولة.
التحديات الرئيسية التي يواجهها سليمان هي تأمين المياه وموارد التدفئة خلال فصل الشتاء، حيث يعتمد مع عائلته على بطانية واحدة فقط لتدفئة 11 فردًا داخل الخيمة. يضيف لنا إن "الحمامات غير صحية، والسلال الغذائية غير كافية تمامًا لتلبية احتياجاتهم".
"وما يشكل هاجسًا لدي سليمان هو وضع الأطفال في هذا المكان، فهم يواجهون واقعًا قاسيًا. يلعبون في التراب والرمال، ووضعهم النفسي ليس مستقر. تجدهم فجأة يبكون أو يصرخون. يقول سليمان: 'هناك حاجة ملحة لمتابعة وضعهم النفسي. أتمنى لو كان هناك جهة تهتم بأوضاعهم وتقدم لهم الدعم النفسي اللازم في هذه الأوقات الصعبة'.
إبراهيم، أحد أطفال سليمان البالغ من العمر 7 سنوات، يشكل صورة حية للواقع القاسي الذي يواجهه الأطفال هنا. يحلم إبراهيم بالعودة إلى منزله حيث كانت غرفته مليئة بالألعاب، واليوم يقيم في خيمة تفتقر إلى الأشياء الأساسية.
في الوقت الذي تتعلق فيه عيون القاطنين هنا بالعودة إلى منازلهم، أو بالأحرى إلى ركام منازلهم، كان عليهم البحث عن حلول لحياتهم اليومية. هنا، على سبيل المثال، يوجد محل حلاقة مؤقت اكتفى صاحبه بتعليق بقايا مرآة مكسورة تتدلى على شباك المخيم، بجوارها مقص وفرشاة.
وتكاد الخيام لا تخلو من فرن بسيط صنعه النازحون من الطين، يشعلونه بأغصان وأخشاب يجمعونها من الغابات القريبة. ولكن حتى استخدام هذه الأخشاب يكون مدروسًا في مكان لا يوجد فيه مصدر للكهرباء أو الإضاءة.
يعتمد عدلي نعمان الدبو، البالغ من العمر 50 عامًا، على ضوء هاتفه المحمول للإضاءة ليلاً. ولكن كل ذلك يتوقف على قدرته على تأمين شاحن للموبايل خلال يومه، فإذا فشل، فإن عائلته تخسر فرصة إضاءة خيمتهم ليلاً.
عبدلي، الذي غادر منزله مرغمًا في اللحظات الأخيرة، حيث استهدفت قذيفة البناء الذي يقطن فيه، مما اضطره إلى المغادرة للحفاظ على حياة أطفاله. انتهت رحلته بالوصول إلى مخيم يواجه فيه يومياً تحديات تأمين المياه النظيفة.
تسببت هذه الظروف في انتشار الأمراض بشكل كبير بين النازحين، وخاصة بين الأطفال. وفقًا لإحصائيات اليونيسف، ارتفعت حالات الإصابة بالإسهال بين الأطفال تحت سن الخامسة من 48 ألفًا إلى 71 ألفًا في أسبوع واحد بدءًا من 17 كانون الأول/ديسمبر، ما يعادل 3200 حالة إسهال جديدة يوميًا. وأشارت اليونيسف إلى أن هذه الزيادة الكبيرة في فترة قصيرة تعد مؤشرًا قويًا على التدهور السريع لصحة الأطفال في غزة.
وقد تسبب القصف الإسرائيلي إلى إتلاف وتدمير أنظمة المياه والصرف الصحي والصحة الأساسية في قطاع غزة، كما حد من القدرة على علاج سوء التغذية الحاد. وفي الوقت نفسه، تركز المستشفيات القليلة جدًا العاملة على الاستجابة للعدد الكبير من المرضى المصابين في النزاع لدرجة أنها غير قادرة على علاج تفشي الأمراض بشكل مناسب.
ما يقلق عبدلي في كل مرة ينظر في عيون أطفاله، هو الواقع الصعب الذي يواجههم. رغم وجود بعض المبادرات الفردية في المخيم لتسلية الأطفال، إلا أن "الحرب والدمار والقصف يسيطر على الجو في هذا المكان"، كما يقول عبدلي.
هذا الواقع كان واضحًا أيضًا لدى ابنه مصطفى، وهو طالب في الصف السادس، الذي شاركنا قصته حيث يعاني من البرد ونقص الإمدادات الأساسية، ويحلم بالعودة إلى منزلهم.
دائرة مميتة من الصراع وسوء التغذية والأمراض تهدد أكثر من 1.1 مليون طفل في غزة
في النقطة الطبية التابعة لوزارة الرعاية الأولية في المخيم، يواجه الدكتور محمد أبو غالي تحديات صحية خطيرة، حيث يتابع يوميًا متوسط 190 حالة من الأمراض التنفسية. ثلث هذه الحالات ناتجة عن التكدس الكبير وسهولة انتشار العدوى، في حين تعود الحالات الأخرى إلى النزلات المعوية نتيجة تلوث الطعام والماء.
تظهر الأوضاع الصحية في هذا المخيم بشكل سيء، حيث يعاني بعض النازحين من الجرب والأمراض الجلدية من انتشار كبير، مع نقص في المستلزمات الطبية فهي لا تكفي لتلبية هذه الاحتياجات الضرورية.
وهناك نقص كبير في الأدوية، والتحدي يكمن في تقديم العلاج الأمثل بما يتاح من موارد بحسب ما أخبرنا به الدكتور أبو غالي.
ويؤكد الدكتور على تصريحات جاءت بها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) عن أن الأطفال في غزة اليوم يواجهون تهديدا ثلاثيا قاتلا يتمثل في زيادة تفشي الأمراض وسوء التغذية وتصاعد الأعمال القتالية.