السيد فيل والأطفال الثلاثة!

أطفال سوريا يشترون الألعاب لبيعها وليس اللعب بها

أمسكت السيد فيل بيدها، عانقته وهمست بأذنه لا تخف لن أخسرك اليوم أيضاً، خرجت تلك الكلمات من الطفلة دارا 10 أعوام بينما كانت توضب مع إخوتها دمى بمختلف الأحجام والألوان.

السيد فيل والسيد باندا والسيد نمر هم ملوك غابة الحيوان التي تفترش ومجموعة من الألعاب ركام الحجارة في إدلب.

ورغم أن الطفلة دارا وعدت السيد فيل أنه سيبقى معها لكنها بقدر تعلقها فيه فهي تتمنى أن يشتريه أحد المارة، "لأننا بثمنه سنسد جزءاً من احتياجاتنا" تقول دارا.

تعيش تلك الطفلة مع عائلتها في مبنى مدمر وسط مدينة إدلب آخر معاقل المعارضة السورية شمال غربي سورية، 

تمسك لعبة وتقوم بتحريكها وهي تجلس على رصيف إحدى الطرقات هي وإخوتها وأمامهم مجموعة كبيرة من الألعاب، للوهلة الأولى حين تراهم تعتقد أن مجموعة من الاطفال تلعب أمام منزلها، هي صورة جميلة للحياة الطبيعية لأي طفل في العالم.

تضع دارا اللعبة على الأرض بجانب بقية الألعاب، تقف وتسير بخطى متثاقلة بعد أن أنهكتها شمس الصيف، لتدخل دمار أحد الأبنية، حيث دخلنا خلفها بعد أن سألناها عن مكان سكنها.

غرفة واحدة هي ما تبقى من بناء من أربع طوابق دمرته غارة للطيران الحربي السوري، "أعيش هنا في هذه الغرفة أنا وأبي وأمي وجدتي وزوجة أبي الثانية وإخوتي الخمسة، نحن 11 شخص في غرفة واحدة".

رحلة دارا ورحلة السيد فيل

رحلتان مختلفتان والنهاية نفسها!

ممسكة بيد والدها وليس بلعبتها خرجت دارا قبل عام من اليوم وعشرة من أفراد أسرتها، ركبوا سيارة الاسعاف على عجل، تركت ورائها العابها وثيابها التي تحب، هربت من صاروخ أوغارة قد تكون أحرقت منزلها بما فيه من العاب حسب قولها.

في الوقت نفسه تقريباً خرج السيد فيل من منزله بعد أن اشترى الطفل الذي كان يلعب به لعبة جديدة، لتبدأ رحلته ضمن مجموعة من الألعاب عبر البحر بأحد صناديق الألعاب المستعملة المصدرة حتى وصل إلى شواطئ تركيا، ومن ثم دخل سوريا.

رحلتان متشابهتان فدارا بدأت تسرد لنا رحلة النزوح الكبيرة التي مرت بهم بعد أن وصل القتال والقصف الى بلدتهم أبو الظهور بريف إدلب الجنوبي.

"هربنا من بلدتنا لم نخرج معنا اي شيء فقط الثياب التي نرتديها، تركت كل شيء العابي وثيابي واغراضي"، ركبا سيارة الإسعاف التي اخرجتنا فليس لدينا سيارة او ثمن اجرة سيارة.

بعد رحلة طويلة ومتعددة وسائل النقل وصلت عائلة دارا إلى "منطقة تل الطوكان شرقي مدينة إدلب ومنها الى مدينة سلقين على الحدود السورية التركية وبعدها أتينا الى مدينة ادلب" تقول دارا.

"ليس لدينا أي قرش ولا معارف هنا، فكان المكان الوحيد الذي فتح لنا بابه للمبيت هو هذا البناء المدمر"، بناء بلا أبواب أو جدران بأحد أحياء مدينة إدلب، "هنا لا يطالبك أحد بدفع اجار البيت، فهو مدمر ويمكن أن يقع فوق رأسنا بأي لحظة ولكن لا خيار آخر لنا، مضت عام كاملة منذ سكنا هنا" تضيف دارا.

وكانت محافظة إدلب وهي المعقل الأخير للمعارضة السورية شمال غربي البلاد تعرضت لحملة عسكرية كبيرة من قبل قوات النظام السوري مدعومة بالطيران الروسي خلال الأشهر الماضية، تمكنت خلالها من السيطرة على مساحات واسعة من المحافظة، في ظل انسحاب الفصائل بسبب القصف الكثيف، والخسائر الكبيرة بالارواح.

هناك بحة حزن عميقة تشعر بها عندما تحدثك دارا، فمعظم الحديث هو عن النزوح والموت، كيف لا وهي التي فقدت ثلاثة من أعمامها ويد والدها التي أصيبت فأوقفته عن العمل.

"اشعر بالحزن على ابي فليس بيده حيلة في ظل وضعه الصحي والغلاء الذي نعيشه اليوم"، هي كلمات كبيرة على أن تخرج من طفلة عمرها عشرة سنوات، ولكنها الحرب التي فرضت على الطفل أن يتجاوز طفولته.

دارا

دارا

ساري

ساري

أسما

أسما

رحلة أسبوعية إلى سوق الأربعاء

رحلة الأطفال الثلاثة إلى السوق تختلف عن نظرائهم من أطفال العالم، فهم يذهبون كل أربعاء الى سوق الثياب والألعاب المستعملة، "نختار الجيد منها لكي نبيعه، وضعنا سيئ نعمل كي نساعد بمصروف المنزل" بهذه الكلمات بدأ ساري 12 عاما وهو الأخ الأكبر لدارا بالحديث لنا عن رحلة العمل اليومية.

وضع كيس يضاهي حجمه على كتفه وخرج به إلى الرصيف المقابل للبناء الذي يسكنون به، يقول ساري "نخرج كل يوم من الساعة العاشرة صباحاً، نضع الآلعاب على الرصيف، وننتظر المارة ونبقى حتى غروب الشمس".

الف ليرة سورية او الفين يومياً (ما يعادل 80 سنت أمريكي)، هي ما يجنيه الاطفال من عملهم الطويل، مبلغ زهيد في ظل انهيار قيمة الليرة السورية وارتفاع الأسعار بشكل كبير في الأسواق، حيث بات كل دولار أمريكي يعادل 1700 ليرة سورية تقريباً.

قفزت دارا حين سألناهم ما أكثر ما يشتاقون لتخبرنا بشوقها لمدرستها، فليس الحرب وحدها التي يمكن أن تعاملك بقسوة، فكذلك المرض يمكن أن يقف في طريقك، فمع انتشار فيروس كورونا عالمياً أغلقت المدارس أبوابها أمام الطلاب في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية.

"كنت أذهب الى المدرسة كل يوم" تقول دارا، هي فسحة الطفولة الوحيدة حيث كانت تلعب مع اصدقائها وتدرس، "آشتاق للمدرسة واحبها اكثر من منزلنا المدمر، فالمنزل كله سيء، كما أننا نتشاركه مع الدجاج الذي نملكه، حيث تقطن في الجزء المدمر منه".

لتختم حديثها لنا بأن تتمنى أن ينتهي المرض رغم عدم وجود أي حالة في إدلب لكي تعود المدرسة من جديد.

ولم تسجل  إدلب التي تأوي أكثر من 3 مليون إنسان أي حالة كورونا حتى اليوم، فيما يتخوف الاطباء من ان انتشار الكورونا في المخيمات المكتظة يمكن ان يؤدي الى كارثة انسانية في المنطقة التي تفتقر الى العناية الطبية المناسبة نتيجة الدمار الذي لحق بالقطاع الطبي جراء الحرب المستمرة منذ تسع سنوات.

والآن قاربت الشمس على الغروب، "ستعود إلى المنزل اليوم أيضاً يا سيد فيل" تهمس دارا مخاطبة لعبتها المفضلة، تلملم وإخوتها الألعاب في كيس مهترئ، ويمضون في رحلة العودة إلى المنزل.

فهم يعلمون أن يوماً طويلاً آخر بانتظارهم!!