أعطني يدك لأروي لك قصتي

أطفال سوريون أحبوا المدرسة لكن حياتهم الصعبة حولتهم لعمّالٍ

يجلس أحمد على الرصيف، يتأمل حركة الناس من حوله، وينقّل عينيه بين صفوف الأحذية، التي أمضى وقتاً طويلاً وهو يضعها بجانب بعضها بشكل ملفت لنظر الزبائن، وبين الحين والآخر تقطع أصوات قادمة من خلفه تركيزه فيما يُفكر به. 

هذه الأصوات هي لتلاميذ يفصل بينها وبين أحمد ذلك الحائط الذي أحيانا يرخي عليه الطفل البالغ من العمر 11 عاماً جسده المُـتعب عليه، يسمع أحمد صيحاتهم وضحكاتهم وهم يلعبون، يسمعهم وهم ينادون لبعضهم أثناء لعبهم للكرة.

بائع الأحذية

يعيش أحمد في الشمال السوري وتقع عليه مسؤولية إعالة عائلته، يخرج كل يوم من منزله في الساعة التاسعة صباحاً، ليس للذهاب إلى المدرسة، بل إلى البدء بعمله ببيع الأحذية بجوارها، ولا ينتهي عمله إلا مع حلول الليل. 

عندما تشاهد أحمد تراه طفلاً خجولاً يتكلم وهو يضع يديه في جيبيه مع ابتسامة خفيفة ترتسم على وجهه. أحمد بعيد اليوم عن مقاعد الدراسة ليس بمحض إرادته بل لظروف الحياة الصعبة التي يعيشها مع عائلته لتأمين لقمة العيش. 

عرف أحمد المدرسة حتى الصف الثاني الابتدائي فقط، وهو يعمل طوال الأسبوع من أجل الحصول في نهايته على ما يعادل 3 دولارات فقط، يشتري بها بعض الأطعمة. 

من أصعب الأمور التي تواجه الطفل أحمد قساوة الجو، فهو يقضي معظم نهاره تحت السماء، وإذا ما هطلت الأمطار أو الثلوج فإن جسده الغض يرتعش برداً، وفي الصيف تطاله حرارة الشمس العالية التي تُشعره بالتعب. 

في داخل الطفل أحمد مشاعر متضاربة، إذ يحلم بأنه يصبح في مستقبله طبيباً، لكنه في نفس الوقت لا يجد ما يساعده على العودة للدراسة، فإلى جانب الوضع المادي الصعب الذي يعيشه وعائلته، إلا أنه يرى بأن مستوى التعليم في المدارس ضعيف أيضاً ولا يشجعه على الذهاب للمدرسة. 

يشعر أحمد بالحزن والمرارة وهو يرى الأطفال كل يوم يدخلون إلى المدرسة وحين يخرجون منها، بينما هو يقضي أيامه في بيع الأحذية على جانب الطريق، وذلك الحائط الذي يستند عليه أحمد هو مصدر راحة وتعاسة بالنسبة إليه في نفس الوقت.

مصلّح الدراجات

هنالك نحو 2.5 مليون طفل سوري قصتهم تشبه قصة أحمد، بحسب ما تظهره إحصائية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، التي قالت إن هؤلاء لا يتلقون التعليم حالياً، فيما يواجه 1,6 مليون آخرين خطر المصير نفسه.

من بين هؤلاء الأطفال أيضاً، عبد الله الذي يبلغ من العمر 11 عاماً، ويعيش في الشمال السوري. يعمل عبد الله في تصليح الدراجات النارية، يحفظ الأدوات التي تتطلبها هذه المهنة عن ظهر قلب، يحدّثك عن تفاصيل القطع الموجودة في الدراجات النارية وكيف يقوم بإصلاحها. 

درس عبد الله في المدرسة حتى الصف الثالث الإبتدائي فقط بعدما أجبرته ظروف الحياة على تركها، وأصبح شغله الشاغل الآن ليس العودة لصفوف الدراسة بل لتطوير نفسه في المهنة التي يرى أنها أصبحت مصدر رزقه الذي يعيل من خلاله عائلته. 

يجيبك عبد الله بصراحه بـ"لا" عندما تسأله هل ترغب في العودة إلى المدرسة؟ وبدلاً من ذلك يأمل عندما يكبُر بأن يفتتح محلاً خاصاً به لإصلاح الدراجات النارية. 


يعمل عبد الله طوال الأسبوع لساعات طويلة من أجل الحصول على نحو 2.7 دولار، لا يناله منها إلا شيء بسيط، لأنه يعطيها لوالده من أجل المساعدة في تغطية مصاريف الحاجيات الضرورية للعائلة. 


2.5 مليون طفل في سوريا لا يتلقون التعليم، بحسب منظمة اليونيسيف



مصلّح مولدات كهربائية

تتحدث الأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة، عن وضع في غاية السوء للسوريين، إذ يعيش أربعة من بين كل خمسة أشخاص منهم تحت خط الفقر، وأكثر من يتضررون جراء ذلك هم الأطفال الذين يكافحون منذ الصغر من أجل البقاء وعائلاتهم على قيد الحياة. 

تقتل ظروف الحياة البائسة أحلام عدد كبير من الأطفال السوريين، من بينهم الطفل عبد الكريم ذو الـ14 ربيعاً، والذي كان محباً لمدرسته وظل في مقاعد الدراسة حتى الصف السادس الإبتدائي. 


ترك عبد الكريم أصدقاء الدراسة وهجر كتبه ودفاترته وأصبح يعمل في ورشة لتصليح مولدات الكهرباء إضافة إلى عمله في ميكانيك السيارات، أملاً في الحصول على الأموال من أجل إعالة عائلته. 

يقول عبد الكريم إن قلبه أصبح معلقاً الآن في مهنته الجديدة، وأنه لا يرغب في العودة للمدرسة رغم عدم إخفائه محبته للعلم. 

يحصل عبد الكريم أسبوعياً على أجرة تُقدر بـ5.4 دولار، يصرفها لمساعدة عائلته في تأمين احتياجاتها، ويحلم بأن يصبح قادراً في المستقبل على جني أموالٍ أكثر تعينه على مواجهة ظروف حياته الصعبة. 

كان من المُحتمل أن يبقى عبد الكريم وبقية الأطفال من أمثاله في مقاعد الدراسة لو توفرت لهم مستوى جيداً من الدعم والمساعدات التي تغنيهم عن العمل على حساب المدرسة، وتُقدر منظمة الطفولة (يونيسف) التابعة للأمم المتحدة، بأنه كان هناك 90 % من الأطفال في سوريا يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في العام 2021، وهي نسبة ارتفعت بنسبة 20 % عن العام 2020.



90 % من الأطفال في سوريا يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية في العام 2021، وهي نسبة ارتفعت بنسبة 20 % عن العام 2020.

عامل بناء

هذا محمد، وعلى الرغم من أنه هو أحد الأطفال السوريين الذين يحتاجون للمساعدة، وعلى الرغم من أنه يعمل لساعات طويلة، إلا أنه لم يتخلى عن حلمه بإكمال تعليمه. 

يبلغ محمد من العمر 11 عاماً ويعمل في الشمال السوري إلى جانب عمال كبار في مجال البناء، يعمل كل يوم على آلة لنقل مواد البناء ولا يخلو عمله من الخطر. 

يحب محمد المدرسة أكثر من العمل، وهو الآن في الصف الرابع ويستعد لتجاوزه وبلوغ الصف الخامس، يقول محمد والابتسامة تملأ وجهه إن المدرسة أفضل من العمل لأنها تجعل الإنسان متعلماً.


بائع الخضار والفواكه

في مكان ليس ببعيد عن عمل محمد، يعمل طفل آخر اسمه محمد بعاج في بيع الخضار والفواكه، عمره 12 عاماً. 

يعمل محمد بعاج يومياً من فترة الظهر حتى المساء، لكن في ساعات الصباح الأولى يذهب إلى المدرسة فهو الآن في الصف السادس الابتدائي، ويحب مقاعد الدراسة أكثر من محبته للمحل الذي يعمل به.

يُعاني محمد في عمله من برودة الطقس خلال الشتاء، فهو تقريباً يجلس لساعات طويلة في محل متواضع لا تدفئة فيه، ويأمل محمد من الأموال التي يجمعها أن يعيل عائلته إضافة إلى حلمه بأن يكون قادراً على شراء هاتف محمول. 

لدى محمد البعاج حلم بأن يصبح طبيباً عندما يكبر ويرى في حلمه أملاً بالخلاص من ظروف حياته التي جعلته يكبر قبل أوانه.

لا يختلف حال الأطفال السوريين داخل بلدهم عن أقرانهم من الأطفال في بلدان اللجوء، الذين أصبحوا عُمّالاً بدلاً من تلاميذ، وتُقدر الأمم المتحدة وجود ما لا يقل عن 800 ألف طفل سوري بدول اللجوء خارج المدارس.



Item 1 of 2