حازم الحداد الصغير
قصة العامل، الأب، الطالب والطفل
يقالُ إنَ لكل شخص من اسمه نصيب، ويبدو أنَ الطفل حازم 10 أعوام نال نصيباً كبيراً من اسمه الذي يشير باللغة العربية إلى من يضبط الأمور بعزم وبشدة.
حازم... العامل
يبدأ يومه في الخامسة صباحاً
لينطلق قبل الجميع إلى مكان عمله
يستيقظ حازم باكراً كل يوم متجهاً إلى ورشة الحدادة في بلدته تلمنس في ريف إدلب الجنوبي في سوريا، حيث يعمل هناك منذ أكثر من عام وتحديداً بعد وفاة والده.
كانت تربطه علاقة مميزة مع والده، الذي كان يعمل حداداً قبل أن يشارك بالقتال في المعارك التي اندلعت في سوريا بعد نشوب الحرب فيها.
فقضى نحبه على يد قوات النظام السوري.
وهنا وجد الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة نفسه معيلاً لعائلته، فعقد العزم على العمل لتأمين احتياجاتها.
ترتبط مهنة الحدادة عادة بأشخاص ذوي بنية جسدية قوية تماماً كوالد حازم الذي كان يمتاز ببنيته الضخمة، بحسب وصف حازم.
ولكن بالرغم من جسد الفتى النحيل كان بإمكان يديه أن ترويا قصة العمل الشاق الذي يقوم به بين جدران ذلك المحل.
يملك محل الحدادة هذا عم حازم، الذي شغًله معه ليتعًلم أصول المهنة من جهة وليكسب منها المال من جهة أخرى.
يضع حازم على وجهه قناعاً من البلاستيك كي يحميه من نار لحام الحديد.
يبدأ العمل كل يوم في تنظيف المحل ثم يقوم بقص الحديد ولحامه.
يعمل حازم مقابل مبلغ ألفي ليرة سورية أسبوعياً أي ما يعادل 4 دولار.
يعني في المحصلة يتقاضى حازم مقابل ذلك العمل 16 دولار شهرياً، ولكنه يتوقع أنه بمرور الوقت سيصبح "معلم حدادة" كوالده تماماً وسيحصَل مبلغاً أكبر ربما يصل ل 50 دولار شهرياً بحسب قوله.
يعمل حازم عشر ساعات يومياً
والمقابل المادي هو 4 دولار في الأسبوع
أي 16 دولار في الشهر
حازم… الأب
يتحدث عن إخوته بلهفة "الأب الحنون"
دقت الساعة الخامسة مساءً حان وقت العودة إلى المنزل.
عادة يقوم حازم بإعطاء النقود التي يحصل عليها من عمله لوالدته من أجل تأمين احتياجات الأسرة من طعام وغيره.
يشتريان الخبز واللبن والبيض بشكل أساسي من أجل إطعام العائلة، يقول حازم "اليوم كل شيء مرتفع الثمن، نادراً ما أشتري الحلويات لي ولإخوتي لأنها غالية جداً".
يتجه حازم إلى المنزل بملابسه المتسخة حيث ينتظره إخوته أحمد 8 أعوام، وياسمين 5 أعوام، وهاجر 3 أعوام، وأخيراً صابرين وعمرها عام ونصف.
علاقة صابرين بحازم قوية جداً فهي تحبه كثيراً، تنتظر عودته بفارغ الصبر، وتكاد لا تفارقه منذ لحظة دخوله إلى المنزل.
يقول حازم "ولدت صابرين بعد شهر ونصف من مقتل والدي، أطلقنا عليها اسم صابرين دليل على صبرنا بعد وفاته.
ويضيف "لا تفارقني ولا لحظة، ربما تعتبرني والدها فهي لا تعرفه".
على عكس حازم وبقية إخوته، فهم يعرفونه جيداً ولم ينسوه، وبشكل خاص عندما كان يدخل إلى المنزل حاملاً معه ألعاب وحلويات لأبنائه الصغار.
تماماً كوالده يحرص حازم على شراء الحلويات لإخوته
يقول حازم "أحياناً أشتري لهم الحلويات، كما كان يفعل والدي".
بملابس العمل نفسها، يقوم حازم بتسخين الطعام الذي حضَرته والدته لهم في وقت سابق، فهي لا تزال في عملها.
يأكلون، ويرتبون أغراض الطعام بعد الانتهاء من تناوله.
يحرص حازم الذي توقف عن الذهاب إلى المدرسة بسبب ضغط العمل، كل الحرص على التزام أخيه أحمد بالدوام المدرسي.
يقول حازم بلهجة الأب المسؤول عن أطفاله"أخي أحمد يذهب الى المدرسة وهو حاليا في الصف الثاني".
ينهي كلامه عن أحمد وهو يوضَب الأطباق في المطبخ، فقد اقترب موعد عودة والدته من العمل، لكنَ مهماته لم تنته بعد.
فقد حان موعد الدراسة، هو أيضاً حريص على متابعة تعليمه تماماً كأخيه أحمد لكن بطريقته وأسلوبه.
يعيش 5.5 طفل في سوريا في مناطق النزاع وهم بحاجة للتدخل والمساعدة، بحسب اليونيسيف
حازم... الطالب
يدرس على طريقته وبدون مدرسة أو معلم
في الوقت الذي يقضي حازم ساعات يومه في محل الحدادة، تعمل والدته في مجال زراعة الأراضي.
هكذا كان الاتفاق بينهما لكي يستطيعا إعالة هذه العائلة.
ما يعني، أن حازم قد توقف عن الذهاب إلى المدرسة، لكن اللافت وجود ركن في أحد زوايا المنزل فيه كتب مدرسية لحازم.
يقول "أقرأ هذه الكتب يومياً كي لا أنسى دروسي".
فعلى الرغم من عدم ذهابه إلى المدرسة يوضح حازم أنه "سيدرس ولن يتوقف عن الدراسة كي يحقق حلمه ويصبح أستاذاً مدرسياً عندما يكبر".
يفضل حازم قراءة الكتب عن اللعب في "الحارة" مع الأطفال الذين هم بنفس عمره لأنه "لا يملك وقتاً لذلك"، يقول تلك العبارة وتكاد لا تخلو عينيه من حزن لحرمانه من اللعب كغيره من أبناء جيله.
أكثر من مليوني طفل -أي أكثر من ثلث الأطفال السوريين - خارج المدرسة و 1.3 مليون طفل معرضون لخطر التسرب. اليونيسيف
وأخيراً، حازم... الطفل
السر يكمن هنا في جهاز التحكم
والآن بعد هذا اليوم الطويل، توجه حازم إلى التلفاز أمسك جهاز التحكم وأداره ليشاهد أفلام الكرتون.
هنا وخلال دقائق تبدأ نظرة الحزم والجدية بالتلاشي من وجهه المرهق بعد العمل الشاق، ويعود لحازم الطفل مستمتعاً بمشاهدة الكرتون.
يضحك ويمزح مع إخوته، لكن وقبل أن تنتهي برامج الأطفال تغفو عينيه، حيث يغلبه التعب.
ينام، فهو يعلم أن يوماً طويل آخر بانتظاره واضعاً نصب عينيه حلمه بأن يصبح أستاذاً يوماً ما.