رحلة مع باحث جزائري

أصغر عضو  في  اتحاد علوم  الفضاء والفلك

حوار: رياض معزوزي

من نافذة غرفته الصغيرة المطلة على أفق عاصمة الهضاب العليا سطيف  شرقي الجزائر العاصمة، كان الطفل محمد حشلاف مولعاً بمراقبة حركة الشمس والقمر، وبريق النجوم ليلاً مذ كان في سنوات عمره الأولى.

 فبدأ حلمه في الإبحار والبحث في علوم الفلك والفيزياء، بعدما ربطته به قصة عشق قوية، جعلته يتخلى حتى على الأكل والشراب من أجل قراءة كتاب، أو متابعة فيلم وثائقي أو رسوم متحركة يتحدث عن الكون والكواكب والفضاء، فقرر وضع هدفه في هذا الوجود، والسعي للوصول الى مراتب متقدمة في علوم الفلك والفيزياء، فتمكن من تحقيق درجات مهمة وهو لا يزال طفلاً، وتوصل الى تحقيق لقب أصغر باحث عربي في المجال.

وسنصطحبكم في هذا التقرير في رحلة إلى عالم محمد ورحلة تفوقه.

طالب في الإعدادي بعمر الـ 14

نشأ وترعرع محمد حشلاف/ 14 عاماً  في البداية بين هضاب عاصمة الهضاب العليا سطيف، قبل أن يتنقل الى العاصمة الجزائر رفقة عائلته البسيطة، والاستقرار بها سكناً وعلماً.

 ويدرس حالياً محمد حشلاف في الصف الأول من التعليم الثانوية "الإعدادية الثانية" شعبة العلوم، على بعد سنتين فقط من شهادة البكالوريا "الاعدادية العامة" لدخول أبواب الجامعة، واختار محمد حشلاف دراسة العلوم بالمرحلة الثانوي كما يقول لـ "Tiny Hand"  بغرض مواصلة المسير في تحقيق أهدافه في دراسة الفلك وعلوم الفضاء والفيزياء الفلكية.

  وما هو مؤكد بحسب  أصغر باحث عربي في المجال "أن تخصصه في الجامعة محسوم من الآن هو دخول احدى الكليات أو المعاهد المتخصصة في علوم الفلك والفضاء"، رغم أن حلم الطفل يتعدى ذلك، بالسعي لبلوغ احدى الجامعات الأمريكية او الاوروبية الرائدة في هذه العلوم، لذا كما قال محمد حشلاف "كنت منذ الصغر حريصاً على تعلم اللغات خاصة الإنجليزية، والفرنسية، واليوم  أتقن اللغتين بشكل جيد، وأنا بصدد التوغل في تعلم اللغة الألمانية، دون أن انسى اللغة العربية التي أعتبرها العشق الاول".

 ويعد الطالب الثانوي من المتفوقين الأوائل منذ المرحلة الابتدائية، ويشهد له معلموه بالذكاء في كل المواد علمية كانت أو أدبية. 

في السابعة بدأ الإبحار  في عتمة الليل

من المعروف لدى الكثرين أن الليل هو الهاجس الأول لدى الأطفال، إلا أن ذلك كان بالعكس لدى أصغر باحث جزائري في الفلك والفاء محمد حشلاف، والذي وجد من عتمة الليل بداية  لعلومه وأبحاثه ومستقبله بالكامل.

 ويقول محمد حشلاف "بدأت الاهتمام بعلم الفلك والفضاء عندما كنت في السابعه من عمري،  حينها  كنت اغامر بالجلوس وسط الظلام والمشي  وحيدا في الليل عكس ما كان عليه أصدقائي والذين كانوا يهابون الظلام بل ويخلدون الى بيوتهم بمجرد أن تميل الشمس الى المغيب".

وأصبح أكثر حبا للسماء والفضاء وما يحتويانه، فبدأ الدراسة والبحث عن خفايا الشمس والقمر، والكواكب والمجرات، وكل ما يعد جزءا من هذا العالم الواسع جداً.

حبه لليل وعتمته جعلته يرتبط بالنجوم، لدرجة أنه أصبح يحلم بأنه يسبح في الفضاء ويعانق النجوم والمجرات، وحتى في سنوات التعليم الأولى كانت أغلب رسوماته، وقصصه التي يحكيها لأصدقائه ومعلمته كانت حول الكواكب والفضاء.

 فأدرك أن دراسة الفضاء والفلك قدر محتوم عليه"، ومنها بدأ المسير والبحث، يقوده في ذلك أمل كبير وارادة قوية، ومساندة الأهل.

محاضر  بعمر 11 عاماً ومؤلف لخمسة كتب تنتظر النشر

شغف محمد حشلاف في علم الفلك والفضاء والفيزياء الفلكية، جعله يضطلع على كل الكتب والمقالات التي كانت تعالج هذا العلم، وحتى تلك القصاصات التي تأتي بطيات الجرائد والمجلات كان يحتفظ بها ويحفظ بعضها عن ظهر قلب.

لا سيما أخبار الوكالات الدولية للفضاء وعلى رأسها ناسا، فبدأ مشواره البحثي محاضرا ببعض المدارس عندما كان في الحادية عشر من عمره، وكان يحدّث الزملاء والأساتذة عن آخر البحوث وأخبار الاستكشافات الفضائية، قبل أن يخرج عن أسوار المؤسسات التربوية ليبدأ في مشاركة بعض النوادي والجمعيات ملتقياتهم وأيامهم الاعلامية.

 ولم يتوقف حشلاف عند هذه المحطات بل صار مدعوا للمشاركة في بعض التظاهرات الوطنية وحتى المغاربية، خصوصا بعدما ألف اول كتاب له بعنوان "المجموعة الشمسية" الذي يضم 124 صفحة، واستغرق من الوقت 8 أشهر من الكتابة والبحث وتنقيح المعلومات، لكن نهاية التأليف لم تكن سعيدة، بحيث تعرض بيت حشلاف الى سرقة جميع الأجهزة الالكترونية، بما فيها النسخ الالكترونية لكتاب المجموعة الشمسية.

الأمر الذي وضعه في حالة اكتئاب، لكن حبه لعلوم الفلك جعله يعود إلى عالم التأليف والذي أثمر بتألف جزأين من كتاب "جولة في عمق الفلك"، وهو الكتاب الذي دام تأليفه أكثر من سنتين، ثم ألف كتاب آخر بعنوان "الكون بين يديك"، وارتقى حتى كتب باللغة الانجليزية، وصار في خزانته 4 كتب تم تسجيل حقوقها في الديوان الوطني لحقوق المؤلف، إضافة إلى الكتاب المسروق.

هذا الجهد لم يرى النور في النشر بعد في انتظار الاتفاق مع دور للنشر، كانت محلية أو عربية.

بدايات المشوار عربياً وعالمياً

للباحث الصغير محمد حشلاف، صولات وجولات ومشاركات في تظاهرات كبرى، جعلت منه أصغر باحث عربي في علوم الفلك والفضاء والفيزياء الفلكية يقوم بذلك، فكان حشلاف مشاركاً بالمهرجان الوطني العربي السابع لشباب هواة علم الفلك 2018 أم بواقي الجزائر، كما حاضر بالملتقى الوطني لتكريم الطفل الموهوب 1 ولاية تيارت الجزائرية عام  2018 تحت اشراف الجمعية الوطنية للمتفوقين والموهوبين ووزارة البحث العلمي والتعليم العالي .

في 02 مايو/آيار 2018 كان محمد حشلاف أحد أبرز المشاركين، بل أصغرهم في المؤتمر العربي العشرين لعلوم الفضاء والفلك في المؤتمر الفلكي الإسلامي السابع، في العاصمة الأردنية عمان،  تحت إشراف أمير المملكة الهاشمية الأردنية وال AUASS.

وتم خلالها تقديم ورقة بحثية برعاية المركز الفلكي الجغرافي الأردني، والاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك والجمعية الفلكية الأردنية،  وفي ذلك المؤتمر اكتشف حميد مجول النعيمي رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك حجم الجهد البحثي المبذول خلال فترة زمنية زادت عن السنة.

 وقرر مباشرة منحه العضوية في الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، ليكون أصغر عضو بالاتحاد الى يومنا هذا، أما عضوية الباحث الصغير في المنظمة العالمية للعلوم والهندسة والتكنولوجيا، من خلال المؤتمر الدولي العشرين للفيزياء الفلكية وعلم الفلك، المقام في العاصمة الماليزية كوالالمبور، بعد تقديم محاضرة بتأطير مدير الأكاديميات الدولية للبحث العلمي عن علاقة المادة بالكون بعد الانفجار العظيم الذي.

تم منحه لقبين الأول أصغر أعضاء المنظمة العالمية للعلوم والهندسة والتكنولوجيا، أحد صناع القرار في منظمة مؤتمرات الأبحاث الدولية، وبالتالي يكون حشلاف قد  ألف ثلاث بحوث في مجال علم الفلك وتكنولوجيا الفضاء، وتحدث عن النظرة العلمية لعلم الفضاء والفلك وأنه تلقى الدعم من طرف الدولة الجزائرية، كما قدم مجموعة من الأبحاث والدراسات وقدمت على أساس محاضرة وأخذت بعين الاعتبار من جانب المعهد العربي لعلم الفلك.

الحلم: تأسيس شركة خاصة لرائدي الفضاء

بدأ محمد حشلاف بتثبيت خطوات الاستقرار في الولايات المتحدة الأمريكية، لمتابعة دراساته في علوم الفلك والفضاء والفيزياء الفلكي.

 ولم يبقى له الكثير ليحقق حمله في مجاورة وكالة ناسا الفضائية، والعمل على تطوير علومه.

ولكن لن تكون إقامته هناك لفترة دائمة، بل مؤقتة والسبب كما يوضح لنا "بلدنا بحاجة إلينا، يجب أن نعود إليها ونساهم في تطويرها".

ويحلم النابغة الصغير بتأسيس شركة خاصة في المستقبل لرائدي الفضاء، وهو قد بدأ فعلا في إجراء دراسات معمقة، في كيفية تطبيق مشاريع بحثية على سطح كواكب أخرى غير الأرض، مع تعميق البحث بخصوص الحياة في الكون، والاجابة على الأسئلة التي تنتاب الكثيرين "هل يمكن العيش بمكان آخر في هذا الكون غير الأرض؟".

الحجر المنزلي ولائحة طويلة من الإنجازات

إجراءات الحجر المطبقة في الجزائر، جعلت من محمد حشلاف جليس البيت منذ شهرين، وهو ما اعتبره فرصة للتفرغ إلى التأليف والبحث، واكتساب مهارات جديدة كتحليل المعلومات، والتدريس عن بعد، والتسويق الالكتروني.

 إضافة الى اكتساب فنيات وتقنيات التصوير الفوتوغرافي ، كما شارك حشلاف خلال فترة الحجر المنزلي بعدد من الملتقيات والمنتديات التي نظمت على المستوى العالمي عبر تقنية الزوم.

 يقول حشلاف " هذه الفترة كانت مفيدة جداً بالنسبة لي، قدمت لي فرصة للتفرغ أكثر".

"أوصي جميع  الأطفال بالاستثمار الجيد للوقت، والتشبث بالأمل الجميل في النجاح والتفوق".