في إفريقيا
عندما تروي الألوان حكايتها على وجوه الأطفال
تتوزَّع خطوط زاهية من اللونين الأبيض والأصفر، في دلالة على الصفاء والفرح، على وجوههم الصغيرة صانعة لوحات تختلف معانيها وتتنوع رسائلها.
في القارة السمراء، حيث آلاف القبائل التي تعيش وسط الأدغال، تختلف طرق تزيين الأجساد والوجوه ما بين الوشم والرسم، إلا أن النقطة المشتركة هي خضوع جميع أفراد القبيلة لطقس طلاء الوجوه والأجساد نساء ورجالا وأطفالا بألوان مبهِجَة.
القصة كلها تبدأ بنقطة على الوجه
الأطفال ومنذ صغر سنهم يتلقون المبادئ الأولى لتزيين وجوههم بالطلاء الملون، بأشكال منقطة ومرقَّطة وعبر خطوط على الوجنتين والجبهة تذكر بتلك الموجودة على فراء القطط الإفريقية المتوحشة مثل الفهود والنمور بالإضافة إلى الحُمُر الوحشية.
معاني ودلالات فن طلاء الوجوه وتزيينها تختلف وتتنوع حسب الأحداث
بالإضافة إلى محاكاة أفراد القبائل المستقرة بأنحاء إفريقيا للحيوانات التي ترتع في سهول وأدغال القارة السمراء، فإن معاني ودلالات فن طلاء الوجوه وتزيينها تختلف وتتنوع حسب الأحداث والمناسبات وتعبر عن الفرح أو الحداد أو الاحتفال والزواج أو إعلان الحرب أو الشروع في الصيد.
كلما كان الشخص أكثر وجاهة في القبيلة كان طلاء الوجه أكثر تعقيدا
زيادة على ذلك، تستخدم النقوش والزخارف للدلالة على المكانة الاجتماعية داخل القبيلة، حيث يميَّز الأولاد عن الرجال، والرجال عن الكهول، ويختلف ما بين الرجال والنساء كما يميز ما بين أفراد القبيلة من الغرباء.
وكلما كان الشخص أكثر وجاهة في القبيلة كان طلاء الوجه أكثر تعقيدا، حيث يبدأ الكثيرون بالطلاء الأساسي وعندما ترتفع مكانتهم، تتم إضافة المزيد من الرموز لتتناسب مع إنجازاتهم وحظوتهم.
ولكل لون قصة مختلفة
الأبيض، الأحمر، الأسود
يغطس الكهل سبابة ووسطى يده اليمنى في طلاء يميل للون الأصفر قبل أن يشرع في وضع خطوط طولية على وجه طفلة صغيرة عارية، لينتقل لبقية الصغار ممن يسعون للحصول على زخارفهم الخاصة.
وكما يحاكون أشكال الحيوانات والنباتات التي تحيط بهم، يُعدُّ الطلاء الملون من مكونات طبيعية كالطين فيما يتم تلوينه بالأعشاب وبَتلات الزهور المجففة ومسحوق بعض الحشرات والرماد.
المكونات كلها من الطبيعة ومستوحاة منها أيضاً
لكل لون وكل رمز معاني معينة، إذ يستخدم اللون الأسود عادةً للدلالة على القوة والشر والموت والغموض، بينما يعني اللون الرمادي الأمن والسلطة والنضج والاستقرار.
اللون الأرجواني يخُصُّ الملوك والرفاهية والحكمة والعاطفة، والأصفر يستخدم للبهجة والطاقة والدفء.
ويستخدم اللون الأحمر من أجل الخطر والجرأة والإلحاح أما الأزرق فيدل على السلام والهدوء والثقة والمودة.
ويشير اللون الأخضر إلى الحياة والنمو والانتعاش والشفاء بينما يشير اللون الأبيض إلى الأمل والطهارة والضوء.
لكل قبيلة زخارف خاصة فيها مختلفة تماماً عن القبائل الأخرى
أكثر من مجرد زخارف
في إفريقيا، حيث يوجد سجل لأقدم المجتمعات البشرية، فإن العديد من الأسر القبلية تستخدم الرموز لرواية القصص وتقديم المعلومات والدروس والعبر، وتعتبر هذه الرموز مقدسة وتستخدم في السياقات الدينية.
في غرب إفريقيا وتحديدا في غانا، تم العثور على رموز يطلق عليها "أدينكرا"، ويعتمد عليها في نقل الرسائل وقيم المجتمع القبَلي، وهي الرموز نفسها المستخدمة في طلاء الوجوه وتزيين الأقمشة وتصميمات الجدران الداخلية وعلى أواني الفخار.
في إفريقيا، الرسم والنقش والوشم هي لغة بين الأفراد، تواصل رمزي بين الرجال والنساء ودليل على الرتبة والشجاعة والقوة والصلابة.
وما يعتبر فنا لدى الشعوب المتحضرة كفن التبرج على الوجوه، ما هو إلا منظومة معقدة من الأفكار والممارسات والطقوس التي على الإنسان القبلي أن يجربها رفقة مجموعته البشرية، وفق ما أتى به أسلافه تقديسا للفرد والقبيلة والحياة ومظاهر الطبيعة.
المهارة في الصيد والحرب
يعتبر اللونان الأحمر والأصفر اللونان المفضلان، لأن كلاهما ألوان الشمس، ويمثل الأحمر عادة شمس الصباح ومصدر الحياة والطاقة، بينما الأصفر يمثل غروب الشمس والسلام والإخلاص.
ولطالما اعتقد رجال الطب أن قيامهم بتلوين أجسادهم يمدهم بالقوة ويقيهم من المخاطر والأمراض، ويمد المقاتلين بالقوة والشجاعة في الحرب والمهارة في الصيد.
ومن المثير للاهتمام أيضاً أن نذكر أن الفن القبلي يختلف باختلاف مرتبة الشخص في المجتمع.
كلما زادت رتبتك، كلما كان طلاء وجهك أكثر تعقيدًا وتعقيدًا!