البقاء على قيد الحياة خلال الحرب بدمشق

الطفلة مايا: رحلتي لأصبح مصدر قوة عائلتي عبر جمع الكرتون

في حي من أحياء دمشق القديمة، حيث الحياة تتسم بالتحدي والصعوبات، تعيش مايا، الفتاة التي لا يتجاوز عمرها 14 عامًا، ولكنها تحمل بين يديها أعباء كبيرة تفوق سنوات عمرها.

مايا، مثل العديد من الأطفال الذين تأثرت حياتهم بالنزاع الدائر في البلاد منذ 13 عاماً، تضطر للعمل لجمع لقمة العيش. منذ أن غادرت دير الزور شرقي سوريا بعد الحرب، جاءت مع عائلتها إلى العاصمة دمشق بحثًا عن الأمل في حياة أفضل. ولكن الأوضاع الاقتصادية التي عاشوها جعلتهم يضطرون للعمل في جمع الكرتون والبلاستيك من الطرقات وحاويات النفايات.

تقول مايا: "نخرج كل صباح، نجمع الكرتون من الطرقات، ثم نقوم بفرزها إلى فئات. في المساء، نلتقي جميعًا، ثم نذهب لبيعها، وبثمنها نشتري ما نحتاجه للمنزل." كان هذا العمل بمثابة مصدر الرزق الوحيد لهم.

يعيش أكثر من 80٪ من السوريين تحت خط الفقر، مع نزوح الملايين عدة مرات. وغالبًا ما يدفع هذا الضغط الاقتصادي الأسر إلى اللجوء إلى عمالة الأطفال كآلية للتكيف، وخاصة في المراكز الحضرية مثل دمشق والمجتمعات النازحة.

مايا ليست الوحيدة التي تجتهد في العمل، بل تشاركها والدتها وأخواتها في جمع المواد القابلة للتدوير. وفي بعض الأيام، ترافق مايا بنات عمها في جمع الكرتون بينما تأخذ والدتها على عاتقها البحث في الحاويات الحديدية. لكنها رغم تحديات العمل، تحاول دائمًا أن تستمد الأمل من أحلامها الصغيرة.

توضح مايا في حديثها: "أحلم أن أكون خياطة. عندما كنت في المدرسة، كنت أحلم أن أكون معلمة أو مديرة، ولكن الحياة أخذتني في اتجاه آخر. الآن، حلمي هو أن أصبح خياطة وأعتمد على نفسي." رغم الظروف الصعبة، تبقى أحلام مايا حية، رغم كل شيء.

أما والدتها، فتتحدث عن الصعوبات التي واجهتهم بعد مغادرتهم منازلهم في دير الزور بسبب الحرب، حيث كانت حياتهم مليئة بالسلام والأمان. تقول الأم: "كنا فلاحين، لدينا بقرة نحلبها ونصنع منها اللبن. كانت حياتنا بسيطة وسعيدة. لكن بعد الحرب، تغير كل شيء."


الخوف...

العمل الذي تمارسه مايا وعائلتها في جمع المواد القابلة للتدوير يواجه صعوبات عدة. ففي بعض الأحيان، يصادفهم تهديدات من البعض الذين يحاولون منعهم من جمع ما يجدونه. تحكي مايا عن أحد تلك المواقف: "كان هناك شخص هددنا بحرق كل ما جمعناه. كنا خائفين، لكننا نواصل لأننا لا نملك خيارًا آخر."

على الرغم من التحديات، تسعى مايا لتحقيق حلمها والتطلع إلى المستقبل. تتمنى لو أن بإمكانها العمل في مجال أكثر استقرارًا مثل الخياطة. تقول مايا: "أحلم أن أعمل في معمل خياطة بدلاً من العمل في جمع النفايات. أريد أن أعمل وأعتمد على نفسي."

العائلة بأكملها، رغم الظروف الصعبة، تتمسك ببعضها البعض. وعندما تسأل الأم عن خوفها على أبنائها، تقول: "أنا دائمًا أخاف عليهم، خاصة الفتيات. من شدة خوفي، زوجت ابنتي مايا عندما كانت في الرابعة عشرة من عمرها."

ولكن على الرغم من التضحيات الكبيرة والظروف المعيشية الصعبة، تبقى مايا وأسرتها متفائلين. "كل يوم يمثل فرصة جديدة للبحث عن الأمل وتحقيق الأحلام، مهما كانت التحديات" تقول مايا.

أرقام وإحصائيات

36%

تشير التقارير إلى أن 36% من الأطفال في سوريا منخرطون في شكل من أشكال عمالة الأطفال، مع احتمالية انخراط الأولاد في أعمال خطرة مثل الزراعة والبناء والتصنيع.

7%

من بين الأسر التي تعولها نساء، يعمل 7% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عامًا في العمل، مقارنة بـ 2% في الأسر التي يعولها رجال، مما يعكس نقاط الضعف الاقتصادية المرتبطة بالجنسين.

48%

وفقًا لمسح أجراه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، ذكرت 48% من الأسر أن عمالة الأطفال هي السبب الرئيسي لعدم ذهاب أطفالهم إلى المدرسة.
إن الافتقار إلى الوصول إلى التعليم يزيد من إدامة دورات الفقر ويحد من الفرص المستقبلية لهؤلاء الأطفال.

أكثر من 2.5 مليون طفل في سوريا خارج المدرسة، ويلجأ الكثيرون إلى العمل لإعالة أسرهم. وتنتشر عمالة الأطفال على نطاق واسع، وخاصة في الزراعة والبناء وبيع السلع في الشوارع.

يعاني أكثر من 30% من الأطفال في شمال سوريا من ضائقة نفسية واجتماعية شديدة، تتفاقم بسبب الحاجة إلى العمل في سن مبكرة، وغالبًا في ظروف قاسية وغير آمنة

يعتمد أكثر من 70% من الأسر السورية في مناطق النزاع على عمالة الأطفال كمصدر للدخل بسبب الفقر المدقع والنزوح. وغالبًا ما يعمل الأطفال في ظروف خطيرة واستغلالية.