عالَم نديم

الطفل الذي لا يلمع في حياته إلا الأواني التي يكسب رزقه منها


قصتنا تبدأ من سوق يخيّم عليه الظلام!


هناك تُلقي صعوبة الحياة بظلالها على وجوه الناس، يرفع الطفل نديم عبد القادر إبريق الشاي، يحدّق جيداً به، ويستعين بضوء خافت ليتأكد أن لمعة المعدن بين يديه الصغيرتين كافية ليحصل على ثناء لعمله.

عندما تنظر إلى عالم نديم، فتشعر وكأنما لا شيء يلمع في حياته، إلا الأواني المعدنية التي يعكف على تنظيفها وتلميعها لساعات طويلة.

التعابير والكلمات التي يستخدمها نديم (12 عاماً) في حديثه، تُشعرك بأنه كبُر قبل أوانه، فمنذ أن بدأ وعيه بالحياة لم يعرف سوى الحرب التي أفقدته الشعور بالاستقرار.

اليوم الاعتيادي لنديم يكاد يخلوا من مظاهر حياة شبيهة بتلك التي يعيشها أقرانه من الأطفال في البلدان الآمنة، فلا يحدّثك عن ساعات قضاها في الألعاب الإلكترونية، ولا عن مباراة لكرة القدم مع "أصدقاء الحارة".

بل يحدثك عن ساعات عمله الطويلة والمسؤولية التي يشعر بها.



نهار نديم


يتحدر نديم من مدينة الباب بحلب، يقضي نهاره كاملاً في السوق القديم لمدينة "الباب"، وهو مُحاط بأباريق الشاي والأواني المعدنية، وتراه تارة يعمل واقفاً، وعندما يتسلل التعب لقدميه الصغيرتين يُكمل عمله على أريكة مهترئة.

لم يعد نديم يذهب إلى المدرسة كسابق عهده، وبنبرة حزينة يعود بذاكرته إلى أيام قضاها مع رفاقه، فالتغييرات المتلاحقة التي تعصف بحياة الطفل طالت حتى صف مدرسته، إذ يقول إن صفه السابق لم يعد به سوى 5 أو 6 طلاب.

كان القصف والنزوح سببان رئيسيان لانقطاع نديم الطويل عن المدرسة، إلى أن قرر والده عدم إرساله مطلقاً إلى التعليم، بعدما كثرت المرات التي اضطرت فيها عائلة نديم إلى النزوح من منطقة لأخرى، فضلاً عن تأثير جائحة كورونا على التعليم.


يُعد نديم واحداً من بين 2.5 مليون طفل سوري، تُقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أنهم لا يتلقون التعليم حالياً، فيما يواجه 1,6 مليون آخرين خطر مواجه المصير نفسه.


حلم نديم


يقول نديم لـTiny Hand إنه يعمل منذ الصباح وحتى المساء، وعندما يستقبل المحل الذي يعمل به مزيداً من الطلبات، يضطر الطفل إلى العمل لساعات إضافية من أجل مساعدة عائلته.

لدى نديم حلماً بأن يصح مُحترفاً في المهنة التي يؤديها الآن، ويرى أن مستقبله موجود في الأواني التي لا تخرج من بين يديه إلا لامعة.

عندما سألنا نديم عما إذا كان يفعل شيئاً للترفيه عن نفسه، فأخبرنا بأنه في يوم العطلة يركب الدراجة مع رفاقه ليسرقوا لحظات من السعادة في حياتهم المضطربة المليئة بالتعب.