حصري: "البلوغ القسري" في مخيمات الشمال السوري



أدوية هرمونية لتسريع الدورة الشهرية وتزويج الفتيات


كنت في الرابعة عشر من عمري عندما أجبرني والدي على تناول تلك الحبوب داخل خيمتنا في سلقين شمال غرب سوريا. وبمجرد أن حانت الدورة الشهرية، تم إجباري على الزواج. لكن زواجي لم يستمر أكثر من عام ونصف، وخلال هذه الفترة حملت ولكن فقدت الجنين، ثم طلقني زوجي.

هذه *سمر، اليوم هي في السادسة عشرة من عمرها، تحدثنا معها هاتفيًا بسرية تامة عبر وساطة قابلة قانونية التي ضمنت لنا التواصل معها. فما نكشفه في هذا التحقيق يعتبر من (المحرّمات) والتي يتجنب الكثيرون الحديث عنها.

في إطار هذا التحقيق الاستقصائي، التقينا بعدد من الفتيات غير سمر، وأجرينا مقابلات مع أمهاتهن اللواتي شهدن نفس التجربة مع أطفالهن. واكتشفنا أن انتشار هذه الظاهرة كان سبباً في اتخاذ مديريات الصحة في كل من حلب وإدلب قرارات بمنع بيع الأدوية الهرمونية.

سنسرد لكم القصة الكاملة حول ظاهرة "البلوغ القسري" والإجبار الذي تتعرض له الفتيات اللواتي لم يبلغن سن البلوغ (لم يحدث لهن طمث بعد)، والذي يتضمن تناول الأدوية الهرمونية بهدف التسريع في حدوث البلوغ "الدورة الشهرية"، وبعد ذلك يتم تزويجهن.

من أجل الحفاظ على خصوصية المصدر وضمان سلامته، فإن معظم الأسماء المستخدمة في هذا التحقيق هي أسماء مستعارة.

البداية كانت في عام 2020

الصدفة هي التي جعلت *إنعام تمسك طرف الخيط

بدأت القصة تظهر للعلن بفضل *إنعام، (على الرغم من أنها تعتبر شخصية مؤثرة في شمال سوريا، إلا أنها قررت إخفاء اسمها حرصاً على سلامتها).

*إنعام، العاملة الإنسانية المتخصصة في مجال العنف الجنسي ضد المرأة، تعمل في هذا المجال منذ عام 2015. في عام 2020، أثناء مشاركتها مع فريق بحث مؤلف من مجموعة من العاملين في مجال الصحة الإنجابية، كان الهدف منه كشف حالات جديدة للعنف الجنسي ضد النساء، توصلت عن طريق الصدفة إلى اكتشاف حالات البلوغ القسري. تم ذلك خلال دردشتها مع قابلة قانونية، التي شاركت معها قصة طفلة في الثانية عشرة من عمرها، أجبرها والدها على تناول الحبوب لتسريع حدوث الدورة الشهرية.

تقول *إنعام لـ tinyhand : "كانت حالة تلك الطفلة ستكون مجرد دردشة تنسى لاحقًا، ولكنني عرضتٌ قصتها في اجتماع لاحق مع فريق من العاملين في مجال الصحة الإنجابية. واتضح أن قصتها تندرج ضمن حالات العنف الجنسي ضد الإناث غير المعلنة وغير المكتشفة حتى الآن. وافق الجميع على هذا الرأي، ومن ثم بدأنا بالبحث عن حالات مماثلة، وهنا كانت الصدمة. نعم، هناك العديد من الصغيرات اللواتي يتناولن الحبوب للبلوغ القسري."

اكتشفت إنعام أيضاً أن الآباء في بعض المخيمات في شمال غرب سوريا لم يجبرن بناتهم على تناول حبوب لتسريع الدورة الشهرية فقط. بل أيضاً قاموا بضربهن على ظهورهن بهدف تسريع عملية البلوغ.

هناك آباء يلجأون إلى طرق مختلفة مثل ضرب الصغيرات على ظهورهن، لتسريع البلوغ .

تقول لنا *إنعام إنه بعد البحث والمتابعة، تبين أن هذا الأمر منتشر بشكل كبير في مخيمات الشمال السوري، وبشكل خاص في مخيمات أطمة وسلقين وحارم.

أغلب الحالات التي تابعتها هذه السيدة كانت من مخيمي سلقين وأطمة، ومن بينها حالة لأختين، إحداهما تبلغ من العمر 14 عامًا والأخرى 12 عامًا، وكانتا تتعرضان للضرب من قبل والدهما على ظهورهما إلى جانب تناول الأدوية، (يعتقد أن الضرب يعجل من حدوث الطمث) توضح إنعام (ليس وحده من يقتنع بهذه الفكرة هناك الكثير مثله في هذه المخيمات).


قرارات بمنع بيع الأدوية الهرمونية في إدلب وحلب

بتاريخ 29 يونيو 2020 أصدر UNFPA    وهو صندوق الأمم المتحدة للسكان بياناً صحفياً استنادًا إلى البحث الذي أجرته *إنعام وفريق العاملين في مجال الصحة الإنجابية (بحسب مصدر موثوق مع الصندوق أكد لنا تلك المعلومات).

فقد تحدث البيان بشكل واضح عن تزايد أشكال العنف الجديدة في شدتها وتأثيرها ، مثل البلوغ القسري - الذي يتضمن حقن الفتيات الصغيرات بالهرمونات للحث على البلوغ لأغراض زواج الأطفال أو الاستغلال الجنسي.)

وفي هذا البيان، تم التطرق إلى الواقع المأساوي لحوالي 5.9 مليون امرأة وفتاة في سوريا، حيث يعاني العديد منهن من آثار العنف القائم على النوع الاجتماعي في حياتهن اليومية بما في ذلك ( التحرش الجنسي، والعنف الأسري، والعنف المنزلي).

بعد قرابة أربعة شهور من ذلك البيان أصدرت كل من مديريات صحة حلب وإدلب قرارات بمنع صرف وتناول الأدوية التي تحتوي على هرمونات جنسية مثل (تسترون، بروجسترون…) بدون وصفة طبية عليها ختم المنشأة الصحية وختم الطبيب تحت طائلة المسؤولية القانونية.

الأمر الذي أكدته لنا مسؤولة في UNFPA خلال حديثها معنا عن تفاصيل ما حصل (اعتبرنا تلك القرارات نجاح لمهمة البحث الكبيرة التي قمنا بها) على حد قولها.

عاملون في مجموعة عمل الصحة الإنجابية ( sexual reproductive health  technical working group)  التي تقودها UNFPA ، توجهوا لمديريات الصحة في كل من حلب وإدلب بناء على ما توصلوا إليه من معلومات إلى جانب التقرير المفصل الصادر عن UNFPA، حصل هذا التعاون وصدرت قرارات بمنع بيع الدواء بدون وصفة طبية. (معلومات حصرية مؤكدة حصلنا عليها).

بعد البحث استطعنا الحصول على نسخ من قرارات المنع الصادرة من مديريات صحة حلب وإدلب.

توجهت مديرية صحة حلب لكل المشافي والمراكز الصحية والعيادات الخاصة والمتنقلة ووحدات العلاج النفسي والصيدليات، مشيرة إلى منع صرف وتداول الأدوية الهرمونية وخاصة التي تحتوي على (برجسترون واستروجين) بدون وصفة طبية ممهورة بختم المنشأة الصحية وتوقيع الطبيب المعالج".

نسخة عن قرار المنع الصادر من مديرية حلب:

بعد صدور ذلك القرار من مديرية صحة حلب وفي الشهر نفسه أصدرت مديرية صحة إدلب قرار المنع التالي والتي خصصت فيه الصيدليات بمنع صرف الأدوية التي تحتوي الهرمونات الجنسية (تسترون، بروجستيرون، استروجين) بدون وصفة طبية تحت طائلة المساءلة القانونية.

نسخة عن قرار المنع الصادر من مديرية إدلب:

الفريق الذي كان وراء التقرير الصادر من UNFPA اعتبر أن قرار المنع هذه "إنجازاً كبيراً، وعلى إثر هذه القرارات، يعتقد الفريق أنه سيتم وقف تداول تلك الأدوية، مما يشكل نوعًا من الحماية للفتيات القاصرات المعرضات للعنف الجنسي والبلوغ القسري.

لكن هل توقفت الصيدليات عن بيع هذا الدواء، وهل توقف الآباء عن إجبار بناتهن على تناول هذه الحبوب؟

الإجابة: كانت لا…


عندما التقينا بـ *إنعام، لم تتمكن من تقديم إجابة واضحة حول مدى الامتثال لقرار منع بيع تلك الأدوية في الصيدليات. ومع ذلك، أكدت أنها لا تزال تواجه حالات لفتيات يتناولن هذا النوع من الحبوب.

ولم يكن من الصعب الحصول على الإجابة؛ فقط استدعى الأمر منا تجربة شراء تلك الأدوية بشكل مباشر. وبالفعل، تبيّن أنه كان من السهل الحصول عليها، آخر علبة دواء حصلنا عليها كانت في مايو 2023.

لم ترفض أي صيدلية طلبنا للحصول على الدواء، وقامت ببيعه لنا. هذا الأمر انطبق على الصيدليات في كل من ريف إدلب وحلب، حصلنا على أدوية بروجستان تركيز 100 والتي تحتوي على 30 حبة مقابل 6 دولار.

وبحسب *أحمد أحد الصيادلة الذين قابلناهم، قال: "إن الأدوية الأجنبية لا تخضع لرقابة الأسعار، ويتم تحديد سعرها بواسطة كل صيدلي وفقًا لتقديره الشخصي. ومع ذلك، فإن النسبة المعتادة بيننا كصيادلة هي زيادة نسبتها 33% على السعر الأصلي قبل بيعها".

وعن القرار الصادر عن مديرية الصحة، أكد لنا أنه غير مطلع عليه، وأضاف قائلاً: "إن الرقابة الحاصلة اليوم هي شكلية، حيث يقتصر دور مندوب الرقابة على جمع الوصفات الطبية دون أن يتم مقارنتها مع حجم الدواء المباع".

"بوجود المال، يمكنك شراء ما تشاء" يقول لنا *عبدالله صيدلي يعمل في إدلب. "ربما يرفض الطبيب كتابة وصفة طبية، ولكن ذلك لا يمنعنا من بيع الدواء بسعر أعلى مما يجب أن يكون عليه في حال وجود وصفة طبية".

وفقًا للمعلومات التي حصلنا عليها، الصيدليات قد حسمت الأمر لنا لم هناك عدد كبير منها لم تتوقف عن بيع تلك الأدوية، ولكن حجم التوزيع وتداول الأدوية يمكن أن يكون متغيرًا ومتنوعًا في تلك المناطق لعدم وجود رقابة وتنظيم لعمليات البيع والتداول.

لكي نتعرف على آلية الرقابة المفروضة على الصيدليات وبيع الأدوية بدون وصفات طبية، قمنا بالتواصل مع مصدر يعمل في مديرية الصحة في إدلب. أوضح لنا أن وزارة الصحة في إدلب استلمت ملف الصيدليات وتتولى مهمة الرقابة عليها منذ عام، بينما يقتصر دور المديرية على رقابة المشافي العامة.

وأضاف أن عملية الرقابة تتم عمومًا عن طريق دوريات على الصيدليات والمشافي للتحقق من آلية بيع الأدوية التي تتطلب وصفات طبية.

وأضاف أن هناك محاولات من أجل ضبط هذه الأمور، لكن "هناك قصور كبير" والسبب، بحسب قوله، هو أن الوعي عند الناس لم يصل للحد الذي يساعد على ضبط بيع الدواء بدون وصفة طبية.

بينما أكد لنا الدكتور رضوان كردي مدير صحة محافظة حلب الحرة أن المديرية أصدرت تعميماً للصيادلة حذرت فيه من بيع هذه الأدوية بدون وصفة طبية، يقول لـ Tinyhand "لكن هذا لا يكفي لأن الأمر يتطلب اتفاق بين المؤسسات والإدارات الطبية وكوادرها من أطباء وصيادلة لتنظيم تداول هذه الأدوية".

وتابع موضحاً أنه "حتى الآن لا يوجد تنسيق بين المديريات والكوادر والمؤسسات الصحية لتنظيم تداول الأدوية الهرمونية وصدور تعميم تحذيري لا يكفي لوضع الأمور في نصابها، وإن تداول هذه الأدوية مرتبط بالضمير الأخلاقي والمهني للأطباء والصيادلة حصراً".

وأضاف الدكتور كردي أن ذلك  كله بسبب "انعدام السلطة المركزية وتوزع السلطات بين المجالس المحلية وسطوة الفصائل وعدم التنسيق بين النقابات العلمية للوصول لمخرجات عملية وطريقة في تنفيذها والالتزام بها".

وعندما سألناه ما هي الطرق التي قد تضبط بيع تلك الأدوية أجابنا أنه يجب على الصيدلي أن يتواجد في صيدليته لأنه يعلم تماماً ما هي الأدوية التي تحتاج لوصفة طبية، وأن يتم حصر وصف الأدوية الهرمونية بالأطباء الأخصائيين.

مضيفاً أنه يجب أن يمنع بيعها للمراهقين والأطفال وإن بوصفة طبية "لضرورة حضور صاحب العلاقة لشرح آلية الاستخدام والآثار الجانبية".

وختم بقوله "من المهم فرض غرامات مالية ومعنوية وقد تصل إلى حد توقيف الترخيص في حال التكرار على أي مخالف من الصيادلة ببيع هذه الأدوية فالأطباء والصيادلة يعلمون تماماً ما هي الهرمونات الجنسية وآثارها الجانبية".

ولكن ما هو الوضع في مخيمات الشمال السوري؟

من داخل مخيمات الشمال السوري

شهادات عن البلوغ القسري

القابلة القانونية *فاطمة، سيدة في الخمسينات تعمل في هذا المجال منذ 21 عامًا، آخر 6 أعوام منها في المخيمات السورية وخضعت لدورات مختلفة في حماية القاصرات. ساعدتنا على إجراء مقابلات مع عدد من الفتيات اللواتي تناولن تلك الحبوب، وأيضاً التقينا أمهات تناولت بناتهن أيضاً تلك الحبوب.

تلك الفتيات كنّ زوجاتٍ ثانية أو يتيمات أو من عائلات فقيرة.

والسبب الذي يجمع تلك الحالات بحسب خبرة فاطمة على مدار السنوات: "هو رغبة الآباء في تخفيف العبء الاقتصادي الناجم عن احتياجاتهن وتسريع زواجهن في أسرع وقت ممكن باستخدام تلك الأدوية".

تتابع فاطمة ما لا يقل عن عشر حالات شهريًا، وقد ساعدتنا على إجراء مقابلة مع *جميلة، البالغة من العمر 17 عامًا والمتزوجة، كانت قد تناولت تلك الحبوب قبل 3 أعوام، مما سرّع دورتها الشهرية وأدى إلى زواجها، ولكنها لم تحمل حتى الآن. ولهذا السبب، تعتزم زيارة فاطمة.

وذكرت والدتها، التي كانت معها، قصة والد جميلة الذي أجبرها هي وابنتها الثانية على تناول الدواء. قالت: "كان والدهن صعبًا للغاية، منعهن من الذهاب إلى المدرسة وسعى لتزويجهن في سن صغيرة، تزوجت الأولى وهي في عمر 14 عامًا، والثانية في عمر 15 عامًا".

ومع ذلك، كانت *أم يوسف تختلف في وجهة نظرها، وقد أيدت فكرة إعطاء الدواء وتزويج الفتيات في سن صغيرة. فقد تناولت ابنتها، التي كانت تبلغ من العمر 13 عامًا، الدواء وحملت بعد 3 سنوات. قالت لنا: "ينجبون أطفالهم ويكبرون سويًا، الزواج المبكر أفضل قبل أن تفوتهن الفرصة". فقد تزوجت هي نفسها في سن صغيرة، تقول: "اليوم، يوسف صديقي يقترب من عمري".

ليست الحبوب فقط، هناك إبر التحريض أيضاً!

بحسب فاطمة، تظهر علامات الدورة الشهرية بعد تناول ما يتراوح بين 3 إلى 4 حبات من الدواء. وفي حال عدم حدوث نتيجة، يلجأ البعض إلى استخدام إبر التحريض، والتي تعتبر أكثر فعالية من تلك الأدوية الفموية، (ومع الأسف هذه الإبر متوفرة في الصيدليات) تقول فاطمة.

يمكن لأي قابلة قانونية كتابة وصفة لهذه الأدوية والإبر، وبالإمكان الحصول عليها من الصيدليات بواسطة تلك الوصفة. ومع ذلك، فإنه وفقًا لما ذكرته فاطمة، يمكن الحصول على هذه الأدوية والإبر بدون وصفات أيضًا. تشير فاطمة إلى أنه يوجد تنافس بين بعض القابلات، حيث يتباهين بأنهن كن وراء حمل تلك الفتيات.

ولكن هذا الحمل لم يكن من نصيب سمر* التي كانت في الرابعة عشر من عمرها عندما تزوجت في مخيم سلقين، كانت قد تناولت تلك الحبوب بناء على طلب والدها وحدث الطمث، بعد ذلك تزوجت وحصل الحمل، "لكنني خسرت الجنين وتطلقت بعد عام وشهرين من الزواج".

بهذه الكلمات المقتضبة اختتمت سمر حديثها معنا عبر هاتف فاطمة، الأمر الذي يعتبر مشاركته مع آخرين من المحرمات في مجتمع يشجع زواج الفتيات الصغيرات.

تهديدات بالقتل

وبالفعل هذا ما حصل مع العاملة الإنسانية *أميرة عندما اكتشف والد إحدى الفتيات أنها شاركتها قصتها وأخبرتها عن الحبوب التي تناولتها.

التقت *أميرة التي تعمل في مجال مكافحة العنف الجنسي ضد المرأة، تلك الطفلة التي تبلغ من العمر 12 عامًا في مركز دعم، وخلال الورشة تحدثت الفتاة عن تعرضها للضرب من قبل والدها الذي أجبرها أيضاً على تناول حبوب لتسريع الدورة الشهرية.

تقول أميرة: "عندما علم والدها أنها زارت المركز من خلال أحد الجيران، جاء إلينا وهددنا بالقتل وأمرنا بعدم الكشف عما أخبرتنا به".

الضرب والدواء لفتيات في سن 12 وما فوق

"ما يلي اقتباسات وردت في تقرير UNFPA عن ظاهرة البلوغ القسري واستطاعت Tiny hand الحصول على النسخة الكاملة منه".

طبيبة نسائية في منطقة إدلب:

(جاءت الأم تطلب أدوية لابنتها البالغة من العمر 12 سنة لتعجيل الدورة الشهرية ومن ثم تزويجها، ومثل هذه الحالة تكررت ثلاث مرات).


داعمة نفسية في منطقة إدلب:

(تحدثت النساء بينهن خلال الجلسة الجماعية عن إمكانية حدوث البلوغ المبكر بعد تناول أدوية هرمونية محددة بدون ظهور أي أعراض).


قابلة في منطقة إدلب:

(جاءت الأم تطلب الأدوية لتسريع حدوث الدورة الشهرية لطفلتها التي قامت بتزويجها منذ أشهر، دون أن تصل سن البلوغ، والآن يطلب منها زوجها الحمل والإنجاب. وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست الحالة الوحيدة التي صادفتنا في هذا السياق).


عاملة حالة في منطقة حلب:

(منذ عدة أشهر، تقدمت إحدى الفتيات إلى مركزنا وكشفت عن تعرضها لإجبار تناول أدوية هرمونية، دون أن تكون على دراية تامة بتلك الأدوية إلا أنها تعلم أنها تسرع حدوث الدورة الشهرية).

عاملة حالة في منطقة حلب:

(منذ عدة أشهر، توجهت إلينا إحدى المستفيدات بسؤال حول الوسائل التي يمكن أن تساعدها في تسريع حدوث الدورة الشهرية لابنتها، التي تستعد للزواج وتبلغ من العمر 13 عامًا).


مع العلم أن هذه الأدوية يجب أن يتم وصفها من قبل الطبيب حصراً.

ماذا يقول القانون السوري عن البلوغ القسري؟

عندما أجرينا بحثاً بين نصوص القانون السوري لم نجد نصاً واضحاً يجرّم الشخص الذي يجبر طفلة على تناول تلك الأدوية من أجل تعجيل حدوث الطمث، ولكن هناك تفاصيل قانونية مهمة يمكن اللجوء إليها في هذا السياق، وللوقوف عندها التقينا المحامية السورية رهادة عبدوش التي تقول إن القانون السوري يحمي الطفل منذ أن يكون جنيناً في بطن والدته حتى يبلغ سن الرشد، ويعاقب من يؤذي الطفل وكل من في عهدته بإسقاط الولاية، ويختلف ذلك بحسب نوع الجرم.

تضيف المحامية لـTINYHAND "يعاقب من يتعرض للطفل وفق قوانين خاصة ومنها القانون رقم (21) المتضمن قانون حقوق الطفل عام 2021 وهذا القانون جاء تماشياً مع اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها سورية منذ التسعينات وأكدت على تطبيقها، وعرّفت الطفل بأنه : كل من لم يتم الثامنة عشرة من عمره، واعتبرت أن الإهمال الأسري هو أي فعل أو امتناع عن فعل ينجم عنه ضرر يلحق بالطفل".

ولكن كيف يمكن الربط بين نص القانون هذا وحالات الفتيات اللواتي تعرضن للبلوغ القسري، تجيبنا المحامية عبدوش أنه "في الحالة المذكورة بالتحقيق نجد أن الطفلة هي كل من لم يبلغ من العمر 18 عاماً فهي ضمن القانون ولها حماية خاصة وبحسب المادة 25،  تكفل الدولة حق الرعاية الصحية وفق الآتي:  توفير المعالجة بجميع أشكالها للطفل في المراكز الصحية، ومراكز الدعم النفسي والمشافي العامة، وضمان متابعة المعالجة من الأمراض النفسية والمزمنة والمستعصية".

وبحسب المادة 63  من قانون حماية الطفل يتم تجريم عدد من الأفعال تمت بحقه منها استئصال عضو بالجسم أو تعطيله أو إحداث أي عاهة دائمة وأيضاً ارتكاب أي جريمة من جرائم الاعتداء الجنسي.

والعقوبة محددة وفق قانون العقوبات والقوانين الجزائية بعقوبات تصل إلى السجن المؤبّد.

ولكن كيف يمكن الوصول إلى الحق؟ تقول عبدوش "يمكن ذلك من خلال الادعاء الشخصي ولو كانت قاصر  باللجوء إلى النائب العام وليس إلى الشرطة".

وتضيف أته "يمكن للمشرفة (المدرسة أو طبيبة أو الأم)  أن يتخذوا صفة الادعاء الشخصي، وهذا الادعاء الشخصي يتخذه من يقدم الشكوى إلى النيابة العامة التي تحيل المجني عليها إلى الطبابة الشرعية وتقدر هذا الإيذاء ويعاقب المسؤول عن الفعل بجرم الإيذاء أو اسقاط الولاية أو كلاهما معاً".

كيف يمكن تطبيق هذا القانون في مخيمات النازحين الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية؟

طرحنا هذا السؤال على فهد موسى رئيس لجنة الحريات وحقوق الإنسان في نقابة المحامين الأحرار، وأجابنا بقوله إنه "يمكن اللجوء للقضاء لكن الأمر يعود للمدعي الشخصي، فمثلاً هناك جرائم يحركها الادعاء العام من تلقاء نفسه، وهناك جرائم بحاجة لادعاء شخصي".

وأضاف لـTinyhand موضحاً أن "القاعدة القانونية تقول كل من سبّب ضرراً للآخرين يلزم مرتكبه بالتعويض، بالتأكيد عندما يكون هناك جرم جزائي ومدعي شخصي فالمحاكم الجزائية الموجودة في كل هذه المناطق ستضع يدها على هذه الدعوة وتبت فيها سواء بالإدانة أو البراءة".


في مناطق سيطرة المعارضة في شمال سوريا ، هناك أكثر من 1400 مخيم تسكنها حوالي 321 ألف عائلة.

الطمث الكاذب المؤقت

بحسب أخصائيين في مجال النسائية والتوليد فإن إعطاء هذه الأدوية بشكل عشوائي يؤدي لما يسمى بالطمث الكاذب والذي ينتج عن تحريض المبايض والرحم بهذه الهرمونات الخارجية فيحدث طمث ولكن هذا الطمث مؤقت ومرتبط بوجود هذه الأدوية.

يقول الدكتور كنان زياد أوغلو، أخصائي النسائية والتوليد، إن الآثار السلبية لتناول تلك الأدوية المسببة "للدورة الشهرية الكاذبة" لا تتوقف هنا. موضحاً لـ"Tinyhand" إن تناولها قبل البلوغ يمكن أن يسبب انقطاع الطمث المبكر قبل سن الـ35 . وأضاف أن ذلك قد يكون سببًا لإصابتها بسرطان الرحم أو سرطان المبايض، وتنجم هذه الأمراض عن التدخلات في الجسم وإعطائه هرمونات خارجية مصنعة قبل أن يكون جاهزًا فيزيولوجياً، ما يؤدي إلى تكاثر البويضات بشكل كبير وسريع مؤثراً على جدار الرحم وبالتالي على عملية الإنجاب للنساء.

يختتم بقوله: "للأسف، هذا علاج سيء للغاية ولا يجب أن يتم وصفه لأي فتاة تحت عمر الخامسة عشرة".

وتقع الفتيات تحت ضغط كبير بسبب عدم حصول الحمل أو عدم مقدرتهن على تلبية المتطلبات الجنسية لأزواجهن لأنهن غير جاهزات وناضجات بعد، و هذا ما قد يعرضهن لأشكال مختلفة من العنف.

إذا صادف وكانت الفتاة قريبة من عمر البلوغ لديها وكان هناك إباضة و حصل الحمل، بحسب تقرير UNFPA فإن هذه الفئة العمرية لديها المعدل الأعلى من الاختلاطات التالية (نزيف قبل الولادة، أو فقر دم، أم مخاض باكر، أو تشوهات جينية، وأخيراً إسقاطات).

تماماً كما حصل مع *سمر التي بلغت قسراً وتزوجت قسراً وهي في الرابعة عشر من عمرها وحملت قسراً وأجهضت جنينها برحمها غير الناضج وانتهى الأمر مطلقة وهي اليوم لم تتجاوز السادسة عشر من عمرها.